السبت، 2 يونيو 2012

تعريف مصطلح ثقافة السلام


مفهوم ثقافة السلام
يعتبر مفهوم ثقافة السلام من المفاهيم المعاصرة ، بل مصطلح ثقافة أصلاً من المصطلحات الغربية الحديثة التي تم نقلها وبيان مدلولها ضمن المنظور العربي أو الإسلامي ، ومن هذا الوجه نجد اختلافاً بيناً في توصيف المراد بثقافة السلام ، إضافة إلى تأثر مفهوم ثقافة السلام بالمدارس والتيارات النظرية والفكرية واختلافها في تحديد مفاهيم العنف والسلام ،  ولعل من أوضح المفاهيم الدالة على ثقافة السلام هو تعريف اليونسكو لها ؛ لذا أرى أن انطلق من خلاله مبرزاً أهم ملاحظاتي عليه ، ثم أتناول مفهوم ثقافة السلام كمركب إضافي بما يتفق والرؤية الإسلامية ، وبما يتناسب والنهج الإنساني ، وذلك في المطلبين التاليين : 
المطلب الأول
تعريف اليونسكو لثقافة السلام
شهدت نهاية القرن السابق اهتماماً كبيراً من المنظمة الدولية ( الأمم المتحدة ) ومؤسساتها خاصة المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو )  بالسلام ونشره ،  وتعزيز ثقافته ، وكان من ضمن مواد القرارات الصادرة ، مواد تتعلق ببيان مفهوم ثقافة السلام ؛ حيث جاء فيها أن ثقافة السلام هي   : « مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد والعادات وأنماط السلوك وأساليب الحياة بحيث تجسد في مجموعها تعبيراً عن ، وطموحاً إلى : احترام الحياة واحترام البشر وحقوقهم مع رفض العنف بكل أشكاله ،والاعتراف بالحقوق المتساوية للرجل والمرأة ، والاعتراف بحق كل فرد في حرية التعبير ،والإعراب عن الرأي والحصول على المعلومات ، والتمسك بمبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة والتنمية للجميع والتسامح والتضامن والتعددية وقبول الاختلافات والتفاهم بين الأمم وبين الفئات العرقية والدينية والثقافية وغيرها من الفئات .  » ([1])   
هذا هو أشمل تعريف لثقافة السلام عند اليونسكو ولها تعريفات أخرى تدور في فلكه ، والتعريف السابق بالرغم من إيجابية بعض عناصره إلا أنه يؤخذ عليه بعض الأمور :   
1-            هذا التعريف أغفل المعتقدات وأثرها المكون لثقافة السلام ، وغلب عليها الأنماط السلوكية والعادات ؛في حين أن مكانة العقيدة في كل الثقافات أنها الأساس والمنطلق الموجه للثقافة ولكل أنواع النشاط أو السلوك الاجتماعي ، ومن ضمنها ثقافة السلام ، ولعل اليونسكو لم تنتبه لتقارير إحدى لجانها الدولية ، وهي اللجنة التي ترأسها المسيو إدجار فور رئيس وزراء فرنسا في السبعينيات لمراجعة نظم التربية ، وقد خرجت اللجنة بعدة توصيات منها :  أن هناك قلق بأن التعليم العالي قد غالى في تجنب التعصب الديني حتى أهمل الدين وأصبح تعليماً لا دينياً أكثر مما يقتضي الأمر ، وهذا أمر يثير التساؤل عما إذا كان هناك بعد ديني للتربية تم إهماله . ([2]) ، وهنا ترتكب اليونسكو نفس الخطأ عندما تغفل البعد الديني لثقافة السلام  .
2-            هذا التعريف لا يبين ولو بطريق الإشارة إي هذه الميادين التي تتألف منها ثقافة السلام هو الأهم ، وأيها أقل أهمية في تشكيل ثقافة السلام وتحديد سماتها .
3-            التعريف تضمن مفاهيم عدة هي محل اختلاف بين الثقافات المتعددة ، وهو يعكس النظرة الغربية لهذه المفاهيم ، كمفهوم الحرية الضبابي ، ومفهوم  المساواة بين الرجل والمرأة من جميع الوجوه دون النظر للاختلاف الوظيفي بينهما ، وغير ذلك من المفاهيم النابعة من التصور  الغربي ، ومقتضى ذلك أن اختلاف الأمم في جانب من مدلولات هذه المفاهيم يمثل اتجاهاً من اتجاهات ثقافة العنف ؛ كذلك الاختلاف المفاهيمي لكثير من عناصر التعريف يجعل المجال واسعاً لازدواجية المعايير وضبابيتها في الحكم على التصرفات ، إضافة إلى تكريس منطق الأقوياء في توظيفهم لمدلولاته ، إضافة إلى ذلك نجد أن اليونسكو في توصيفها لتلك المفاهيم تتجه بها نحو العمومية كما كان واضحاً في مؤتمر السلام في عقول البشر الذي عقدته اليونسكو سنة 98م ، فقد ارتكز ذلك المؤتمر على أطروحة أساسية وهى تطوير ثقافة السلام كمسألة ترتكز على قيم عالمية ، احترام الحياة الفردية، الحرية، العدالة، التماسك، التسامح وحقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة ، فتعبير قيم عالمية مفهوم فضفاض لأن حياة الناس، وحرياتهم، ومفهوم العدالة والتماسك والتسامح وحقوق الإنسان كلها مفاهيم متنوعة ، تختلف بين أمة وأمة، بين شعب وشعب آخر، بل بين قبيلة وأخرى ، ولعل هذه التوجه في استخدام مفاهيم فضفاضة هو فرض المفهوم الغربي أو الاتجاه نحو عولمته .
4-            التعريف لا يشير إلى وجود حالة معيارية تقاس من خلالها ثقافة السلام قرباً أو بعداً ، تقدماً أو تخلفاً ، صلاحاً أو فساداً ، صواباً أو خطأً ، فغاية ما في التعريف أنه يتحدث عن مجموعة من القيم أو أنماط السلوك دون تحديد معيار للحكم عليها .  
المطلب الثاني
مفهوم ثقافة السلام في الإسلام
  ثقافة السلام مفهوم غربي جديد على الساحة الإسلامية ؛ وإن كانت مدلولاته من صميم ثقافة الإسلام ؛ وهذا يقتضي التأسيس لهذا المفهوم بما يتوافق والأصول الإسلامية ، وأرى أن أنطلق من مفهوم عام لثقافة السلام ، ثم المفهوم الإسلامي لها : وذلك في البندين التاليين :  
أولاً : التعريف العام لثقافة السلام .
ثقافة السلام مركب إضافي من مصطلحي : « ثقافة – السلام » ؛ لذا أمكن تعريفها وفق هذين المصطلحين بأنها : « معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري ، وتتجلى في سلوك الإنساني الواعي  في تعامله في الحياة الاجتماعية مع الوجود  على نحو مجمل يشمل المنطلقات والأسس والمبادئ  والوسائل الكفيلة بتغليب حالة السلم  على الحرب والوسائل السلمية على الوسائل العنيفة . »

محترزات التعريف ومكوناته :
1-            معرفة عملية : ،  المعرفة  تشمل كل معرفة سواء كانت نظرية أو عملية ، وجاء تقييدها بالعملية احترازاً من المعرفة النظرية التي يكون غايتها فقط الوقوف على حقائق الأشياء دون التدخل بها ، أما المعرفة العملية فهي المعرفة التي يكون غايتها العمل أو الفعل أو السلوك .
2-            مكتسبة : أي أن الإنسان يحصل عليها بعد أن لم تكن موجودة ، وهذا احتراز عن المعرفة الفطرية التي يولد الإنسان مزوداً بها .
3-            الجانب المعياري : أي أنها ثقافة تتضمن وجود معيار أو حالة تقاس في ضوئه تلك الثقافة بعداً أو قرباً تقدماً أو تخلفاً ، والجانب المعياري هنا لا يشير إلى واقع ثقافة السلام الموجودة ، بل إلى ثقافة السلام المنشود وجودها في المجتمع ؛ أو هو يشير إلى الصورة الأكمل والأمثل التي يسعى الأفراد والمجتمعات للوصول إليها ، والجانب المعياري يحدده طبيعة الثقافة التي ينبثق منها كما سيتضح في التعريف الخاص .
4-            تتجلى في سلوك الإنسان : أي لا بد لهذه الثقافة أن تنعكس على سلوك الإنسان وتصرفاته ، وهو هنا يشمل جميع نواحي الحياة الفردية ، واقتصار هذه المعرفة العملية على تخزينها في الذهن أو الكتب لا يعني أننا حملنا ثقافة السلام ، أو أننا مثقفين بثقافة السلام .
5-            الإنسان الواعي : وسلوك الإنسان لا بد أن يصدر عن وعي ، معنى أن الإنسان الذي يسلك سلوكاً ما لا بد أن يعي ويدرك طبيعة هذا السلوك وأثره في تعزيز معاني السلم ، وليس سلوكاً عشوائياً ، والوعي له درجات أدناها أن يدرك الإنسان أن سلوكه المعين سيوصله للغاية التي يريدها .
6-            في تعامله في الحياة الاجتماعية : أي أن هذا السلوك يأخذ منحىً اجتماعياً ، خلال ممارسة الإنسان لحياته الاجتماعية وقيامه بالدور المناط به فيها ،  فهو فرد ضمن مجموعة ، ومجموعة تدور في فلك مجموعات أخرى إلى أن يكتمل مجموعها لتشمل الوجود الإنساني .
7-            في الوجود : وهي لفظة واسعة تشمل الخالق والمخلوقات أو الموجودات ، والموجودات تشمل الذات ؛ أي كيان الإنسان ، وتشمل الآخر ، ويقصد به جميع بني الإنسان ما عدا ذات الفرد ، وهذا جانب واسع يشمل عدداً من الدوائر المتداخلة بدءاً بدائرة الأسرة  ، وانتهاءً بدائرة المجتمع ( الدولة والمجتمع الدولي ) ، كذلك الوجود يشمل الوسائل والمبادئ والقيم والأدوات والمنجزات والأفكار التي أنجزها الإنسان أو يتعامل من خلالها مع جوانب الوجود الأخرى  ، كذلك تشمل الزمن ( الماضي والحاضر والمستقبل ) وهو أمر ملازم للوجود وله ارتباط بالحركة والشعور النفسي .
8-            بتغليب حالة السلم على الحرب : وهذا هو المنحى الواقعي لثقافة السلام ، فالمجتمعات تتعارض مصالحها ، وذروة التعارض تفضي إلى الصراع الدموي ؛ لذا تغليب حالة السلم على الحرب يقتضي أن يكون السلم هو الخيار الأمثل في التعامل مع الغير ، وفي تحصيل المصالح ورعايتها ، وفي علاقة الدول مع بعضها البعض ، وتغليب حالة السلم ينبغي أن يكون واضحاً في الوسائل والأساليب والمبادئ والقيم التي تستند إليها تلك الدول ، وهذا يبرزه الجانب المعياري  .
9-            تغليب الوسائل السلمية على الوسائل العنيفة . وهذا القيد في التعريف جاء ليشمل كل ما هو دون درجة الحرب من وسائل عنيفة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات داخل الدولة الواحدة ، أو عبر المجتمع الدولي ، ويتضمن طرق التفكير والمبادئ والقيم المعززة للنهج السلمي في التعامل مع الغير .
هذه أبرز مكونات التعريف ومحترزاته ، ونجد فيه الشمولية التي تخضع لجانب معياري بعيداً عن فرض طرق تفكير خاصة ببعض الأمم وتعميمها ، وهذا التعريف يؤسس لنا كأمة إسلامية للتعريف الخاص لثقافة السلام .
الدكتور محمد المبيض                  كتاب ثقافة السلام عند رسول الإسلام 


([1]) الأمم المتحدة : الجمعية العامة ، الدورة الثالثة والخمسون ، البند 31 من جدول الأعمال ، المادة الأولى (2) ؛
([2])  الكيلاني : فلسفة التربية الإسلامية ( 47 وما بعدها ) 

ليست هناك تعليقات: