السبت، 9 يونيو 2012

نبي الرحمة والدماء ( درس حيوي في التربية )


صورة تمثيلية تبرز مدى حرص النبي على أمته .
 حرص النبي r خلال رحلته الدعوية المباركة مدى ثلاثة وعشرين عاماً على إرشاد أمته على كل أبواب الخير وتحذيرهم من كل دخائل الشر وذرائعه وتركهم على محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال ، وكان النبي r عالماً بأن النفس البشرية تميل للتفلت من تعاليم النور والهدى إلى مسالك الهوى والغواية ، وهذا ما كان يخشاه النبي r ، ويحذر أمته  أن تقع فيه فتنبهر بالسراب تظنه شراباً وتتبع طرق الأمم الهالكة تاركة هدي نبيها ، ولعل من أبرز تحذيراته في هذا الباب هذه الصورة التمثيلية التي يرويها جابر t قال :   قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  r : «  مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي » ([1])
وهذا المثل يعتبر من أصرح النصوص الدالة على مدى حرص النبي r على نجاة أمته ورحمته بها ، وقد تضمن  صورتين تمثيليتين أشبه بلقطتين فوتغرافيتين مزج بينهما النبي r مباشرة وبطريقة مفاجئة عجيبة  ، فمثله ومثل أمته كمثل رجل أوقد ناراً في ظلمة الليل ، فجاءت الجنادب والفراش نحو النار تتقحمها طلباً للنور وللرؤية ، وهذا مجاز لطلبها الخير لنفسها ، وهذا الرجل الواقف عند النار يعلم نتائج الاقتراب من هذه النار ، ويعلم أن نورها هو عبارة عن مصيدة لتلك الحشرات ستنتهي بها إلى الاحتراق ، فهو نور خداع ؛ لذا يحرص الرجل على إبعادهن عن تلك النار حرصاً منه على عدم هلاكها ، ويجتهد في تحريك يده فوق النار شمالاً ويميناً ليضمن عدم وقوع أي منها في النار ، لكن الفراش لم تنتبه لمقصد الرجل وتظن أنه يحول بينها وبين النور أو بين الخير ؛ لذا ما يكون منها إلا العودة مرة أخرى للنار تتقحمها .
هذه هي الصورة الأولى والرجل الواقف على النار يراد به النبي r الذي علم من أمر ربه ما لم يعلمه غيره لذا هو بصير بعواقب الأمور ، كما أن الرجل الواقف على النار بصير بعواقب اقتراب الحشرات من النار ، أما الجنادب والفراش فهي مثل أمته التي لم تدرك ما أدركه نبيها ، وحرمت البصيرة الكاملة التي ترشدها لعواقب الأمور ؛ لذا تجري وراء كل نور خداع أو عنوان براق ولا تدرك أنه يخفي وراءه ناراً مهلكة ، ثم يبرز المثل أن النبي r بهديه وتعاليمه وتحذيراته أشبه بذلك الرجل الحريص على نجاة  تلك الجنادب ؛ لذا لا يألو جهداً في دفعها عن تلك النار المحرقة ، وفجأة ينتقل النبي r إلى صورة حسية أخرى ، وإذا نحن برسول الله r يقف على حافة النار ويأخذ بحجز أفراد أمته بشدة وحرص لئلاً تقع في النار ، ويبين النبي r أن أفراد أمته يحاولون التفلت من يده ويتقحمون النار من حيث لا يشعرون .
فهذا مثل هدي النبي وسنته والمنهاج الذي جاء به ،  إنه رحمة وخير وسعادة لأمته في الدنيا ، ونجاة من عذاب الله يوم القيامة ، والمثل بصورتيه يبرزان مدى حرص النبي ووفور رحمته بأمته لكي تنجو في الدارين  .      


([1]) أخرجه مسلم برقم 2285 ( 4/1790) 

ليست هناك تعليقات: