السبت، 9 يونيو 2012

رسول المحبة


محمد r رسول المحبة .
حرص النبي r على تعزيز عاطفة الحب وتهذيبها لتقوم بدورها الأصيل التي خلقت لأجله ، و استطاع عبر رحلته الرسالية أن يؤلف بين القلوب المتنافرة ، ويجمع العرب مع ما تميزوا  به من فرقة وشحناء عززتها العصبية القبلية ، ويصهرهم على قلب رجل واحد ، وقد تنوعت التشريعات الدالة على ذلك منها :
1- تعزيز المحبة : وذلك باعتبارها  فضيلة لا تدانيها فضيلة ، بل هي جزء من الإيمان الذي لا يمكن تذوق حلاوته إلا من خلالها  يقول r : « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ .  »  ([1])
2- التأكيد  على الأخوة والأعمال الداعية للمحبة  : يقول r  «  الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . «  تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ  » ([2]) «  لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » ([3]) عن أنس t : «   مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ  r  وَعِنْدَ النَّبِيَّ  r  رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ :  وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ  . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  r  :  أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ ؟ قَالَ :  لَا  . قَالَ :  قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ  : أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فيه . » ([4])
فالنصوص السابقة تبرز جانباً من الهدي النبوي الكفيل بتمتين العلاقات وتعزيز المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي .
3- محاربة  كل فعل أو خلق ينقص المحبة والترابط بين أفراد المجتمع : يقول الرسول r «   لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ  » ([5])
4- التحذير من كيد الشيطان الموهن للمحبة بين الناس يقول r  : «  إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ . » ([6])
5-  بيان خطورة  البغضاء و عواقبها على الفرد والمجتمع  يقول r :  «  دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ  . » ([7])  «  تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ،  إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا . » ([8])
6- تهذيب عاطفة الحب وتوجيهها الوجهة السليمة ، وتركيزها نحو الأهداف السامية ، حيث عزز حب الفضيلة عند أصحابه ، وحب الخير والحرص على نشره ، وبالمقابل حرص النبي r على عدم غلو عاطفة الحب في جانب على حساب آخر ، فلئن أكد على حب الوطن والأهل وغيرها من المحبوبات إلا أنه حرص على عدم طغيان هذه المحبوبات على فكر الناس بحيث تكون مدعاة لحصول الشحناء ، فحب القبيلة ليس داعية للإذعان لها في الحق والباطل ، وحب الأهل ليس مدعاة للطغيان وظلم الآخرين ، وتحصيل مصالح الأهل لا يكون على حساب تغييب مصالح  الغير ، وميل الرجل للمرأة ليس مدعاة للوقوع في الفاحشة أو المنكر ، بل يضبط بضوابط الشرع وفق ما أحله الله سبحانه وتعالى .
7- تركيز عواطف الناس ودواعي المحبة لديهم نحو الغايات العليا لتجتمع القلوب وتتوحد عواطف المحبة ، ومن هذا الوجه أكد النبي r على ضرورة محبة الرسالة والرسول والمرسل :  «  لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . » ([9])  « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا » ([10]) ، واستطاع النبي r بالفعل أن يوجه العواطف المتضاربة والمتفرعة والموزعة لدى المجتمع نحو عاطفة الحب ، وتركيزها في الغايات العليا ، وتهييجها نحو الفضيلة ، وقد سطر المجتمع آيات في الحب والتفاني نحو الرسالة والرسول والمرسل تعتبر الأولى من نوعها على مستوى البشرية من حيث نوعيتها وعدد القائمين بها ، بل بعض حكايات الصحابة في حب الغايات السامية والتفاني لأجلها فاقت التصور ، فالبعض يجيع صغاره ليطعم ضيفه ، والمرأة الدينارية ترى أن وفاة زوجها وولدها وأبيها هيناً ما دام صاحب الرسالة قد نجا من الموت ، وعبدالله بن حذافة السهمي يجيب ملك الروم الذي ساومه على ترك دينه ويتنصر مقابل إشراكه في ملكه ، فيقول له : والله لو أعطيتني ملكك وملك العرب جميعاً ما تركت دين محمد r طرفة عين . و هكذا تحول المجتمع بفضل جهد النبي r إلى شعلة متآلفة من الحب والعطاء ، حتى أصبح المرء في المجتمع المسلم يحب الخير في يد أخيه أكثر مما يحبه في يده .
6- اغتنام دعوته المستجابة واستثمارها في تعزيز المحبة ، ومن ذلك أن أبا هريرة t جاء النبي r بعد إسلام أمه فقال له : «  يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ،  وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  r :  اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ - إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي » ([11])   
د. محمد المبيض                      كتابه نبي الرحمة 


([1]) أخرجه البخاري برقم 16 [ البخاري ( 1/14) ]
([2]) أخرجه البخاري برقم 2310 [ البخاري ( 2/862) ]
([3]) أخرجه الترمذي برقم 1956 ، وقال : حديث حسن [ السنن ( 4/339) ] ؛ وابن حبان برقم 474 [ صحيح ابن حبان ( 2/221) ]
([4]) أخرجه أبو داود برقم 5125 [ السنن ( 4/333) ] ؛ وأحمد برقم 13559 [ المسند ( 3/241) ] ؛ والحاكم برقم 7321 ، وقال : حديث صحيح الإسناد [ المستدرك ( 4/189) ]
([5]) أخرجه مسلم برقم 2564 [ صحيح مسلم ( 4/1986) ]
([6]) أخرجه مسلم برقم 2812 [ صحيح مسلم ( 4/2166) ]
([7]) أخرجه الترمذي برقم 2510 [ السنن ( 4/644) ] ؛ قال الهيثمي : رواه البزار ، وإسناده جيد [ مجمع الزوائد ( 8/30) ]
([8]) أخرجه مسلم برقم 2565 [ صحيح مسلم 4/1987) ]
([9]) أخرجه البخاري برقم 15 [ البخاري ( 1/14) ]  
([10]) سبق تخريجه
([11]) أخرجه مسلم برقم 2491 [ صحيح مسلم ( 4/1938) ] 

ليست هناك تعليقات: