السبت، 9 يونيو 2012

محمد عليه السلام في عيون الغير



تنوعت الشهادات المبرزة لسمو الفضيلة عند النبي r ، وما تتضمنه من قيم معززة للسلم الأهلي والعالمي ، كالسماحة والعفو الإحسان للآخرين والعدل والرفق ، ويتضح من هذه الشهادات إنكارها التام لتلك المفتريات التي تحاول أن تبرز أن النبي r كان داعية عنف ومحرض على العدائية ، بل بعض هذه الشهادات تبرز بما لا يدع مجالاً للشك بأن منهج النبي r قبل أربعة عشر قرناً هو الأوفق والأوفر حظاً في بناء السلم العالمي ، من هذه الشهادات – وغيرها كثير – ما يلي :     
1-  يقول المستشرق المعروف أميل ديرمانجم  في كتابه حياة محمد : « إن محمداً رسول الإسلام قد أبدى في أغلب حياته ، بل طول حياته اعتدالاً لافتاً للنظر فقد برهن في انتصاره النهائي على عظمة نفسية قل أن يوجد لها مثيل في التاريخ ، إذ أمر جنوده أن يعفو عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء ، وحذرهم من أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار ، أو يقطعوا الأشجار المثمرة ، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حالة الضرورة القاهرة ، بل قد بلغنا أنه كان يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحاً مادياً . » ([1])
هذا النص يشير صراحة إلى تلك الأخلاقيات التي تميزت بها حروب النبي r ، ويؤكد على ما ذكرت سابقاً أن الحرب كانت حالة استثنائية ألجأت لها الظروف ، وليست نهجاً توسعياً إحلالياً ، كذلك يتضمن الإشارة إلى ملاحقة النبي r للتجاوزات الحاصلة من بعض أفراد جيشه أو قادته الميدانين ومعالجتها ، ويبرز النص السابق مدى المثالية التي تميز بها النبي r وجيشه في حروبهم  ، تلك المثالية التي لم يعهد مثلها في التاريخ في نظر أميل دريما نجم ، مثالية اعتمدت أسلوب الوسطية والاعتدال ، وتأسست على السماحة والعفو والإحسان للأمم المغلوبة ، وهذه هي ثقافة السلام من رَحِمْ الحروب المعززة للعنف والعدائية ، وهي شهادة  تؤكد عليها  الفصول السابقة بالبرهان والدليل .     
2- يقول ول ديورانت : « إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا أن محمداً ( r ) كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله . » ([2])
هذا النص يشير إلى تلك التربية الروحية والخلقية التي استطاع النبي r من خلالها أن يهذب النفوس التي اكتسبت قسوتها من قسوة البيئة الصحراوية التي تنتمي إليها  ، ويعزز فيها القيم والفضائل التي تحترم إنسانية الإنسان ، وفي النص إقرار بنجاح غير مسبوق لمحمد r في هذا الشأن على مدار التاريخ ، وهذا الإقرار - وغيره كثير -  ليحتم بضرورة احترام تلك الثقافة التي أسس لها النبي r واعتبارها الأمثل في التأسيس و رعاية السلام الأهلي والعالمي .  
3-  يقول الكاتب الروسي الكبير تولستوي : «  لا ريب أن هذا النبي من كبار الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الإجتماعية خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسلام وتكف عن سفك الدماء ، وتقديم الضحايا ويكفيه فخراً أنه فتح طريق الرقي والتقدم ، وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخـص ذو قـوة وحكـمة وعلم ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال . » ([3])
 وهذا تصريح من تولستوي بأن الثقافة والمنهج  الذي  كان النبي r يسلكه قد نجح  في توجيه الناس نحو الجنوح من العنف والعدائية إلى السلم والحضارة ؛ كذلك هذه شهادة للنبي r في طبيعة الثقافة التي كان يحملها r  .. إنها الثقافة التي تعزز في النفس التوجهات السلمية وتنفرها من التوجهات العدائية ،وهذا إقرار بأن النبي r لم يكن في لحظة من حياته داعية للعنف ومحرضاً عليه .  
 4- يقول السير وليم سوبر في كتابه سيرة محمد : « لقد امتاز محمد ( r ) بوضوح كلامه ويسر دينه ، ولقد أتى من الأعمال ما أدهش الألباب ، ولم يشهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس ، و أحيا الأخلاق الحسنة،ورفع شأن الفضيلة في زمن قصـير كما فعل محمد ( r ). » ([4]
هذا النص يشير صراحة إلى عظمة التربية الخلقية التي تميز بها أتباع النبي r ، بل يرى الكاتب أن النبي r قد نجح نجاحاً مثالياً غير معهود مثله عبر التاريخ في هذا الشأن .  
5- يقول جوستاف لوبون : « الإسلام من أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم ، ومن أعظمها تهذيباً للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والبدهية . » ([5]) وفي موطن آخر يقول :  « إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن ، وإن العرب تركوا المغلوبين أحراراً في أديانهم ، فإذا كان بعض النصارى قد أسلموا ، واتخذوا العربية لغة لهم ، فذلك لما يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس بمثله عهد ، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى .. وقد عاملوا أهل سورية ومصر وأسبانية وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم ، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في مقابل حمايتهم لهم ، وحفظ الأمن بينهم ، والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب . » ([6]
هذا النص يشير إلى أهم قيم ثقافة السلام  ، وهي السماحة والعدل والرحمة واللطف والسهولة و التيسير والإحسان للأمم المغلوبة ، وهذه القيم  هي التي كانت وراء انتشار الإسلام ؛ أي أن الغزو الأخلاقي والقيمي لقلوب الأمم المغلوبة كان أكثر وضوحاً وأعظم أثراً من الحسم العسكري ؛ كذلك في النص الأول إشارة إلى تلك القدرة العجيبة التي تميزت بها رسالة الإسلام في تهذيب النفوس وتعزيز الفضيلة فيها وقدرتها على سياسية الأمم بطريقة حضارية تتسم باستيعاب المخالف والأقليات ورعاية حقوقهم والإحسان لهم  .
1-     ويقول المستشرق الفرنسي أ . ل سيديو : « من التجني على حقائق التاريخ ما كان من عزو بعض الكتاب إلى محمد ( r )  من القسوة والجبن فقد نسي هؤلاء أن محمداً ( r ) لم يألُ جهداً في إلغاء عادة الآثار الموروثة الكريهة .. وكأنهم لم يفكروا في العفو الكريم الذي أنعم به على أشد أعدائه بعد فتح مكة ، ولا في الرحمة التي حبا بها كثيراً من القبائل عند ممارسة قواعد الحرب الشاقة . » ([7]
هذا النص يشير إلى زيف المفتريات التي حاول البعض إلصاقها بالنبي r باعتباره داعية عنف  ، واعتبر ذلك من باب الجناية على التاريخ بتزوير حقائقه .
2-     يقول الباحث الأمريكي لوثروب ستودارد : « لم يمض سوى اليسير من الزمن حتى كان السواد الأعظم من الأمم المغلوبة قد دخل في دين الله أفواجاً إيثاراً له .. ولم يكن العرب قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير ، بل كانوا على الضد من ذلك أمة موهوبة جليلة الأخلاق والسجايا . » ([8])
وهذه شهادة أخرى للنبي r وجيشه تبرز السبب الأساس لانتصار تعاليم الرسالة  في العالم القديم ، وتنسف فرية انتشار الإسلام بالسيف ، وفيها تأكيد على وضوح قيم ثقافة السلام عند النبي r وأتباعه ، فهي أمة قيم وليست أمة عدائية وعنف وإراقة دماء ، وبالقيم والأخلاق والفضيلة التي حملتها الرسالة آثر المغلوبون الدخول في رحابها .


([1])عبد الوهاب : محمد رسول الإسلام ( 33وما بعدها )  
([2]) ديورانت : قصة الحضارة ( 13/47)
([3])  جريشة وغيره : أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي ( 29)
([4]) عبد الله : هذا هو الحبيب ( 18)
([5]) لوبون : حضارة العرب ( 126)
([6])  لوبون : حضارة العرب ( 127 وما بعدها )
([7]) سيديو : تاريخ العرب العام ( 83)
([8]) لوثروب : حاضر العالم الإسلامي ( 3-4) 

ليست هناك تعليقات: