السبت، 9 يونيو 2012

هل نحن نحب النبي محمد عليه الرسلام


محبة محمد r واجبة على الأمة
أولاً : مسوغات محبة النبي r .
طبيعة النفوس أنها مجبولة على حب من أحسن إليها ، وبطبعها تميل إلى أصحاب الشيم العليا والأخلاق الحميدة ، وتتفاوت محبة الإنسان لأخيه الإنسان  بحسب درجة إحسانه ، أو سمو محاسنه وأخلاقه .
فإذا كان الإنسان يحب من أسدى له معروفاً أو معروفين ، أو أنقذه من مهلكة أو مضرة لا تدوم ، فما بالك بمن منحه منحاً لا تبيد ولا تزول ، ووقاه العذاب الأليم ، ودله على النعيم المقيم .
ولو نظرنا للنعم التي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها لوجدنا بعثة المصطفى r تتصدر هذه النعم ، فما من نعمة أعظم على الأمة المحمدية من أن يندرجوا تحت لواء محمد r ، فهو هدية السماء العصماء للبشرية على وجه العموم ، ولأمة محمد r على وجه الخصوص .
هذا الرجل العظيم الذي أشرقت شمسه على الكون ، فانقشعت من جوانبه ظلمات الظلم والشرك وسوء الأخلاق ،  وأفنى عمره ونذر حياته للدلالة على ربه ، ولإخراج الناس من ظلمات الجهل ، إلى نور العرفان واليقين ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
محمد r الذي لم يكن ينام من الليل إلا قليلاً ، الزاهد في طعامه وشرابه ، الجواد في جهده وعطائه ، كل ذلك لأجل هداية الإنسانية للخير ، ولتذوق لذة النعم من خلال نعمة الدين ، فنعمة معرفة الله وعبوديته ، ونعمة المال ونعمة الوالدين ونعمة الأهل والولد (_ ) ونعمة الأمن ، ونعمة انشراح الصدر ، ونعمة السلام والإسلام ، ونعمة الأخلاق ونعمة المحبة ، ونعمة الأنس بالمعنويات ، ونعمة الإيمان ، ونعمة الفطرة ، ونعمة النجاة من النار والفوز بالجنة ، ونعمة المصالحة بين العبد والرب .... فهذه النعم كلها ما كانت تتذوق أمة محمد r لذتها لولا بركة بعثة محمد r .
من أجل ذلك استحق محمد r أن يكون حظه من محبتنا له أوفى وأزكى من محبتنا لأنفسنا ، وأولادنا ، وأهلنا ، وأموالنا ، والناس أجمعين ، بل لو كان في منبت كل شعرة من جسدنا محبة تامة له لكان ذلك بعض ما يستحقه .
وهذا المعنى صرح به النبي r بقوله : «  لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . » ([1])
وهذا المحبة التي أشار إليها النبي r لها مسوغاتها ، فالإنسان تتأثر المحبة لديه بحجم المنفعة الحاصلة من المحبوب ، والمنفعة الحاصلة لكل فرد من أفراد الأمة هي أعظم بكثير من منفعة الوالد والولد والناس أجمعين ؛ فالوالد إن كان سبباً في وهب حياة الجسد ، فالنبي r كان سبباً في وهب حياة الروح ونضارة الجسد ونور القلب وانشراح الصدر ، وإن كان الولد سبباً في حفظ ذكر أبيه وصونه في دنياه ، فالنبي محمداً r كان سبباً في حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته ، ولو نظرنا إلى أبي بكر وعمر وخالد بن الوليد وغيرهم من الصحابة ، لوجدنا أن ما قدمه النبي r لهم لهو أعظم بكثير مما قدمه لهم آباؤهم وأبناؤهم ، فقد نالوا العز والشرف والذكر الحسن في الدنيا ، ونالوا الفوز بالآخرة ؛ وإلا ماذا قدم الوليد بن المغيرة لابنه خالد قياساً لما قدمه محمد r .
بل حب محمد r لابد أن يفوق حب الإنسان لنفسه ، فالحبيب محمد r كان السبب في نزع العداوة بين الإنسان ونفسه ، تلك العداوة التي أفرزتها شموص النفس على الروح  ، وبفضل الرسالة المحمدية سكنت النفس وانقادت لداعي الروح والعقل وتحققت مؤالفة عجيبة بينهما .
وهذا عمر t يفتش في قلبه فيرى حب النبي r قد فاق كل المحبوبات لديه ، فجاء ليخبر النبي r بتلك العاطفة التي اتقدت في قلبه فقال : « والله يا رسول الله   لأنت أحب   لي من كل شيء إلا نفسي ، فقال :  لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك . قال عمر : فأنت الآن أحب إلي من نفسي فقال رسول الله : الآن يا عمر . » ([2])
وجاء القرآن ليؤكد على أن محبة النبي r هي من محبة الله سبحانه وتعالى ، ودليل من دلائل الإيمان يقول الله سبحانه وتعالى : } قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ { ([3])   
من هذا الوجه نقول : إن محبة محمد r واجبة على كل فرد من أمة محمد r استنار بنور رسالته ، واندرج تحت لوائه ، واستظل بفيء رسالته .
ثانياً : بعض مظاهر دالة على محبة الصحابة لرسول الله r .
من تتبع حياة الصحابة الكرام يرى مدى تعلقهم وحبهم لرسولهم الكريم ، فهذا أبو بكر t عندما رأى هجوم المشركين على رسول الله r فانكب عليه قائلاً أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وضحى بنفسه في ذلك المقام ليحمي حبيبه رسول الله r ، فأدموه ضرباً حتى أفقدوه وعيه ، وعندما أفاق كانت أول كلمات خرجت من فمه السؤال عن رسول الله r ، وفي رحلة الهجرة نراه يدخل الغار قبل رسول الله ليؤمنه ، بل يضع كفه ليسد   إحدى الحفر ليضمن عدم خروج أحد الهوام منه ، ويصبر على لدغة الهوام ولا يتحرك من مقامه لكي لا يوقظ رسول الله r من منامه ، وفي الرحلة ينصب نفسه حارساً على النبي r من خلفه ومن أمامه ويرتاع عندما رأى سراقة يطلب النبي r كل ذلك خوفاً على النبي r ، وبالمقابل ترك بناته وأولاده بين ظهراني المشركين ، مما يشير إلى أن حبه للنبي r فاق كل محبوب لديه .
ونرى تلك المرأة الأنصارية التي سجلت آية عظيمة في حب النبي r في غزوة أحد عندما فقدت كل أحبابها في المعركة ، ورأت ذلك مصيبة هينة ما دام المحبوب البشري الأعظم ما زال حياً ، فقالت عندما رأت رسول الله r : كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله .
وكذلك نرى موقف العشرة الذين كانوا حول رسول الله في غزوة أحد حيث قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الدفاع عن محبوبهم ، وكان شعارهم جميعاً : نحري دون نحرك يا رسول الله ، واستشهد من الأنصار دفاعاً عن النبي r سبعة ، والباقي تعرضوا لإصابات متنوعة كل ذلك حباً للرسول وحرصاً على ألا يصيبه مكروه .
وعندما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة ليقتلوه قال له أبو سفيان : أنشدك الله يا زيد تحب أن محمداً مكانك تضرب عنقه وأنك في أهلك ، فقال زيد : والله ما أحب أن محمداً مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وإني لجالس في أهلي ، فقال أبو سفيان : والله ما رأيت أحداً من الناس يجب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً r .
ويأتي مولى رسول ثوبان إلى النبي r في أحد الأيام وقد تغير لونه وشحب وجهه ونحل جسمه ، وظهر الحزن في وجهه ، فسأله الرسول r عن حاله ، فقال : ما بي وجع يا رسول الله غير أني إذا لم أرك اشتقتك واستوحشت وحشة عظيمة ، فذكرت الآخرة حيث لا أراك هناك ، لأني إن دخلت الجنة فأنت تكون في درجات النبيين فلا أراك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : } َمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً { ([4])
فثوبان لا يرى طعماً لنعيم الجنة ما دام سيحرم من رؤية حبيبه النبي r ، ويشعر بالوحشة إذا غاب عنه النبي r ساعات ، هذه الوحشة أكلت قلب بلال t بعد وفاة النبي r وتغير حاله ، ولم يجد لحظة أنس وفرحة إلا عندما طرق الأجل بابه ودنا رحيله من دار الدنيا ، ولما حضرته الوفاة كان أهله يقولون واكرباه ، وهو يقول : واطرباه ! غداً ألقى الأحبة ، محمداً وصحبه . فالموت الزائر البغيض أصبح عند بلال أمنية لأنه يعجل لقائه بمحبوبه النبي r .
وهذا عمر t الذي كان دائماً قريباً من النبي r وكان يقشعر جلده ويتلون وجهه في أي موقف يمس حبيبه النبي r فنراه دائماً يغضب ويثور بل لا يردعه من الانتقام لحبيبه النبي r إلا النبي نفسه ، وبعد وفاته عندما كان يقسم العطايا على الصحابة بحسب مكانتهم وسابقيتهم للإسلام أعطى أسامة بن زيد أكثر من ابنه عبدالله ، وهما في نفس الدرجة من الأسبقية ، وعندما راجعه ابنه في ذلك قال عمر t : لأن زيداً كان أحب إلى رسول الله r من أبيك ، وأسامة أحب إليه منك .
هذه حال الصحابة مع رسول الله r حيث كانوا يؤثرونه على كل محبوباتهم ويقدمون محابه على محابهم ، وهم كما قال الإمام علي t : كان رسول الله r أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ .  
ثالثاً : أمارات محبة النبي محمد r .
1-  طاعة النبي r والاقتداء به : وذلك بالتمسك بسنته ، والاهتداء بهديه ، وفعل ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه ، بل اعتباره القدوة العليا والمثال الأوحد و الأسوة الحسنة في كل شأن ، يقول الله سبحانه وتعالى : } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً { ([5]) .
2-  توقير النبي r وتعظيمه : ومن مظاهر ذلك الصلاة عليه إذا ذكر اسمه ، والإكثار من ذكره ، وذكر شمائله ، والتخلق بأخلاقه ، ومناداته بأشرف أسمائه ، ويتفرع من ذلك تعظيم مسجده بخفض الصوت وغض البصر ، وعدم ارتكاب أي محدثة فيه من قول أو فعل ، و التأسي بصحابته الكرام في توقيرهم له ، فقد كان أصحابه الأبرار لفرط حبهم له يعظمونه كثيراً ، ولا يكادون يملأون عيونهم منه أجلالاً وإعظاماً له ، ويستمعون لكل لفظ يتلفظ به ، ولا يتعجلون بقضاء أمر قبل قضائه فيه ، ولا يرفعون صوتهم فوق صوته ، وقدموا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الذود عنه ، وجاء السلف الصالح من بعدهم فعظموا سنته ، واهتموا بتعلمها والمحافظة عليها وتنقيتها من كل شائبة أو دخيل ، وأفنوا أعمارهم في طلبها وتدوينها ،  وتأدبوا بصفاته وأفعاله ، وكانوا لنبيهم مخبتين ، ولسنته معظمين ، فمنهم من ارتدى عند ذكره ثوب الخضوع والخشوع ، ومنهم من جرت من مآقيه الدموع ، ومنهم من لم يكتب الحديث إلا وهو طاهر ، ومنهم من امتنع أن يقرأ حديثه وهو مضطجع ، وكان حالهم في توقيره والاستجابة إليه كما لو كان حياً بين ظهرانيهم ، وكانوا يردون كل قول لقوله ، وكل تشريع لشرعه ، ويعرضون عن كل ما خالف هديه في الاعتقاد والقول والعمل ويحترمون كل ما يتعلق به كاسمه وحديثه وسنته وشريعته ، ويؤثرون ما يحب على ما يحبون ، وقد طالب القرآن الكريم بضرورة إجلال النبي r واحترامه ومناصرته يقول الله سبحانه وتعالى : }  إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ،  لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً { ([6]) ، فالتعزير والتوقير في الآية  للرسول والتسبيح لله  .
3-  نصرة دينه بالقول والعمل . وذلك بالدفاع عن شريعته ، والدعوة لها والحرص على نشرها ، والانتصار لصاحب الرسالة إذا حاول البعض الانتقاص من حقه أو فضله ، أو أراد النيل منه ، وتعتبر نصرة الرسالة وصاحبها من أعظم الواجبات ، وأبين الأمارات الدالة على محبة الرسول r   .
4-  محبة آله الأطهار وذريته الأخيار ، وسائر المهاجرين والأنصار وإكرام أمهات المؤمنين أزواجه ، وإجلال من سلف من أصحابه ، والاقتداء بأفعالهم الصالحة ، والاقتباس من أنوار معارفهم الواضحة ، والاستغفار لهم والإمساك عما شجر بينهم من الأقوال والأفعال ، وإظهار سيرتهم الحميدة .
5-  الإكثار من الصلاة عليه ، والإكثار من ذكر سيرته وشمائله  في المجالس والمجامع والمنابر ، إذ إن من المعلوم أن من أحب محبوباً أكثر من ذكره واشتاق لسماع كل خبر يتعلق به . ([7])
د. محمد المبيض                                كتابه     نبي الرحمة 


(_ )  عندما أقول أن تذوق لذة النعم إنما كان ببركة بعثة محمد r فهذا ملاحظ من ثمرة بعثته ، فالعربي قبل بعثة محمد r كان إذا بشر بالبنت وهي نعمة كان يراها نقمة ويظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، فهذه نعم حرم من لذتها الإنسان بسبب جهله وظلمه ، وببركة رسالة محمد r بدأ يتذوق لذة هذه النعمة ن وقس عليها باقي النعم .   
([1]) أخرجه البخاري برقم 15 [ صحيح البخاري ( 1/14) ]
([2]) أخرجه الطبراني برقم 317 [ المعجم الأوسط ( 1/102 ) ] ؛ وذكره ابن كثير في تفسيره ( 3/495 وما بعدها )
([3]) التوبة : الآية 24
([4]) النساء : الآية 69
([5]) الأحزاب : الآية 21
([6]) الفتح : الآيات 8-9
([7]) انظر جاد المولى : محمد المثل الأعلى ( 365 وما بعدها ) ؛ الجزائري : هذا الحبيب ( 560 وما بعدها ) 

ليست هناك تعليقات: