السبت، 2 يونيو 2012

خصائص العدل في رسالة نبي السلام




تميز العدل في رسالة محمد r بخصائص متنوعة تضفي عليه حيوية ومصداقية وواقعية وفعالية يظهر أثره على مستوى الفرد والمجتمع والإنسانية ، ولعل أهم هذه الخصائص ما يلي :
أولاً : العدل في ميزان الشرع مقدم على القيم الأخرى .  
بسبب الحيوية البالغة للعدل أوجب الإسلام التضحية بأي قيمة تتعارض معه ، يقول الله سبحانه وتعالى : « وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى » ([1]) فإقامة العدل مقدم على صلة الرحم ، ولا يجوز تجاوزه لرعايتها ، كذلك هو مقدم على بر الوالدين حال التعارض ، يقول الله سبحانه وتعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ » ([2]) ، ومقدم على قيمة الأخوة من باب أولى ، يقول الرسول r : « انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ:  تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ . » ([3])  
فالملاحظ من النصوص السابقة أن إقامة العدل يتجاوز عاطفة الأبوة والقرابة والأخوة ، وذلك حال تعارض هذه العواطف مع إقامته ، وهذه النظرة للعدل تكسبه أولوية عظمى في المنحى التطبيقي .   

ثانياً :  العدل قيمة مطلقة .
العدل في الإسلام يمثل مبدءاً عاماً ، وقيمة مطلقة صارمة لا تسمح بأي عبث ، ولا مجال للعواطف في تغييبها من المجتمع على المستوى الفردي أو الجمعي ، ولا يستثنى منها أحد ، ولا يقبل إخضاعه لأي تفرقة عنصرية يقول الله سبحانه وتعالى : « وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ » ([4]) فالناس كلمة عامة تشمل الإنسانية كافة مسلمهم وكافرهم أبيضهم وأسودهم لا مجال شرعاً للتمييز بينهم في الأحكام الدنيوية والقضائية ، كذلك لا مجال للعواطف في التأثير على قيمة العدل أو آثاره يقول الله سبحانه وتعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى » ([5]) « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ » ([6]) فالآيات صريحة في أن إقامة العدل والحكم به لا يتأثر بعواطف المحبة أو البغضاء ، فلا المحبة للأهل والأقارب تغيبه ، و لا العداوة والبغضاء تنقصه أو تحول دون إقامته ، فالعدل في الإسلام قيمة مطلقة ، وإقامته تكون لله سبحانه وتعالى دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى كاختلاف الدين واللون أو المركز الاجتماعي أو المشرب الثقافي ، والعدل بهذه الخصيصة  يعتبر ثورة تقدمية وأخلاقية واجتماعية ، وقفزة هائلة يسمو بها فوق جميع النظم الاجتماعية المعاصرة .
كذلك هذه الخصيصة تكسب المجتمع الموضوعية في الأحكام على الغير حتى لو كان عدواً ، وهذا لو دوره في حسم ظاهرة الإرهاب أو القسر الفكري التي يتميز بها الفكر الديني أحياناً ، كذلك له أثره في تخفيف دائرة العدائية بين المسلم وغيره ،  وهذا له دوره الفعال في تعزيز ثقافة السلم . 
ثالثاً :  العدل قيمة شاملة .
بمعنى أنها مبدأ ينبغي التقيد به بصرامة جميع الأفراد سواء الرئيس أو المرءوس ، الأب والابن ، القاضي والشاهد ، البائع والمشتري ، السيد والعبد ،  كل فرد في المجتمع يجب أن يحترم شعار : خذ
ثمرة عملك ، ودع لغيرك ثمرة عمله ، واحمل تبعة خطئك ، ودع غيرك يحمل تبعة خطئه . ([7]) ويرشد إلى هذه القيمة قول الرسول r : «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » ([8])
د . محمد المبيض              كتاب ثقافة السلام عند رسول الإسلام 


([1]) الأنعام : الآية 152 
([2])  النساء : الآية 135
([3])  أخرجه البخاري برقم 6952 ( 9/22)
([4])  النساء : الآية 58
([5]) المائدة : الآية 8 
([6])  النساء : الآية 135
([7])  إبراهيم : قيم المجتمع هل هي ثابتة أم قابلة للتغير ، ندوة الإسلام والحضارة ( 1/373) 
([8]) أخرجه البخاري برقم 3475 ( 4/175) 

ليست هناك تعليقات: