تميز
العدل في رسالة محمد r بخصائص متنوعة تضفي عليه
حيوية ومصداقية وواقعية وفعالية يظهر أثره على مستوى الفرد والمجتمع والإنسانية ،
ولعل أهم هذه الخصائص ما يلي :
أولاً : العدل في ميزان الشرع
مقدم على القيم الأخرى .
بسبب الحيوية البالغة للعدل أوجب الإسلام التضحية بأي قيمة
تتعارض معه ، يقول الله سبحانه وتعالى : « وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ
كَانَ ذَا قُرْبَى » ([1])
فإقامة العدل مقدم على صلة الرحم ، ولا يجوز تجاوزه لرعايتها ، كذلك هو مقدم على
بر الوالدين حال التعارض ، يقول الله سبحانه وتعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ
أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ » ([2]) ، ومقدم على قيمة
الأخوة من باب أولى ، يقول الرسول r : « انْصُرْ
أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ
إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟ قَالَ:
تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ
فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ .
» ([3])
فالملاحظ من
النصوص السابقة أن إقامة العدل يتجاوز عاطفة الأبوة والقرابة والأخوة ، وذلك حال
تعارض هذه العواطف مع إقامته ، وهذه النظرة للعدل تكسبه أولوية عظمى في المنحى
التطبيقي .
ثانياً : العدل
قيمة مطلقة .
العدل في
الإسلام يمثل مبدءاً عاماً ، وقيمة مطلقة صارمة لا تسمح بأي عبث ، ولا مجال
للعواطف في تغييبها من المجتمع على المستوى الفردي أو الجمعي ، ولا يستثنى منها
أحد ، ولا يقبل إخضاعه لأي تفرقة عنصرية يقول الله سبحانه وتعالى : « وَإِذَا حَكَمْتُم
بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ » ([4])
فالناس كلمة عامة تشمل الإنسانية كافة مسلمهم وكافرهم أبيضهم وأسودهم لا مجال
شرعاً للتمييز بينهم في الأحكام الدنيوية والقضائية ، كذلك لا مجال للعواطف في
التأثير على قيمة العدل أو آثاره يقول الله سبحانه وتعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
» ([5]) « يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى
أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ » ([6]) فالآيات صريحة في أن إقامة العدل والحكم به لا يتأثر بعواطف
المحبة أو البغضاء ، فلا المحبة للأهل والأقارب تغيبه ، و لا العداوة والبغضاء
تنقصه أو تحول دون إقامته ، فالعدل في الإسلام قيمة مطلقة ، وإقامته تكون لله
سبحانه وتعالى دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى كاختلاف الدين واللون أو المركز
الاجتماعي أو المشرب الثقافي ، والعدل بهذه الخصيصة يعتبر ثورة تقدمية وأخلاقية واجتماعية ،
وقفزة هائلة يسمو بها فوق جميع النظم الاجتماعية المعاصرة .
كذلك هذه
الخصيصة تكسب المجتمع الموضوعية في الأحكام على الغير حتى لو كان عدواً ، وهذا لو
دوره في حسم ظاهرة الإرهاب أو القسر الفكري التي يتميز بها الفكر الديني أحياناً ،
كذلك له أثره في تخفيف دائرة العدائية بين المسلم وغيره ، وهذا له دوره الفعال في تعزيز ثقافة السلم
.
ثالثاً : العدل قيمة شاملة .
بمعنى أنها مبدأ ينبغي التقيد
به بصرامة جميع الأفراد سواء الرئيس أو المرءوس ، الأب والابن ، القاضي والشاهد ، البائع
والمشتري ، السيد والعبد ، كل فرد في
المجتمع يجب أن يحترم شعار : خذ
ثمرة عملك ، ودع لغيرك ثمرة عمله ، واحمل تبعة
خطئك ، ودع غيرك يحمل تبعة خطئه . ([7])
ويرشد إلى هذه
القيمة قول الرسول r : «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ
لَقَطَعْتُ يَدَهَا » ([8])
د . محمد المبيض كتاب ثقافة السلام عند رسول الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق