السبت، 9 يونيو 2012

حقوق الطفل عند الرسول الأعظم


نبي الرحمة ورعاية حقوق الطفل
يمكن بيان منهج النبي r  في رعاية الطفل و مراعاة حقوقه من خلال البنود التالية :
أولاً : حرص النبي r  على معايير اختيار الزوجين رحمة بالطفل ورعاية له .
يعتبر الزوجان الأساس للأسرة واللبنة الأولى في بنائها ، وحسن اختيار الزوجين لبعضهما البعض ينعكس بآثار طيبة على الطفل ، ومقدمة ضرورية للنسل الصالح وتظهر آثاره بشكل واضح من الناحية الوراثية أو من الناحية البيئية ؛ لذا حرص النبي r  على وضع معايير للاختيار ، وذلك رعاية للطفل ورحمة به قبل نشوئه ومن ذلك قوله r    : « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ، تَرِبَتْ يَدَاكَ » ([1])   « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ  » ([2])  والمعلوم أن حسن الاختيار يقصد به من الدرجة الأولى رعاية حق الطفل يدل على ذلك قوله r    « تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ  » ([3])
ثانياً :  تأخيره إقامة حدود الله سبحانه وتعالى رحمة بالجنين والطفل :
  من ذلك ما ورد في حق الغامدية عندما زنت وجاءت النبي r  لكي يطهرها فقالت   «    يَا رَسُولَ اللَّهِ : طَهِّرْنِي . فَقَالَ : وَيْحَكِ ارْجِعِي ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ . فَقَالَتْ : أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ . قَالَ : وَمَا ذَاكِ ؟ قَالَتْ : إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى . فَقَالَ : آنْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . فَقَالَ : لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ ،  قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ ، قَالَ :  فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى r ، فَقَالَ : قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ . فَقَالَ : إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا ، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَالَ : فَرَجَمَهَا .  »  ([4])
وفي رواية أخري } فَلَمَّا وَلَدَتْ ، أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ ، فَقَالَتْ : هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ ، فَقَالَ : لَهَا ارْجِعِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ . فَجَاءَتْ بِهِ وَقَدْ فَطَمَتْهُ ، وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ يَأْكُلُهُ .{ ([5])  
فالأثر السابق يبرز مدى رحمة النبي r   ورعايته للأطفال حتى ولو كانوا من سفاح أو زنا ، بل يحترم إنسانيتهم ووجودهم ؛ لذا نجده قد أخر حد الله سبحانه وتعالى رعاية لجنين الغامدية ، ولم يقم الحد حتى تأكد من أن الطفل قد بدأ في مرحلة الاستغناء عن أمه بعد الرضاعة ووقع في أيدي أمينة ، ولولا أن حدود الله سبحانه وتعالى لا تقع فيها الشفاعة لكان طفلها أول الشافعين لها عند رسول الله r   .
ثالثاً : رحمته بالطفل والجنين من خلال التخفيف على أمه في العبادات .
ومن ذلك ترخيصه للحامل والمرضع في الإفطار في رمضان إذا خافتا على الطفل والجنين الهلاك أو التلف يقول النبي r   : «  إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلَاةِ ، أَوْ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ ، عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ ، أَوِ الْحُبْلَى ، وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا جَمِيعًا،أَوْ أَحَدَهُمَا  » ([6])
رابعاً : عنايته ورحمته بالطفل منذ ميلاده  .
المعلوم أن الشيطان لعنه الله يحرص على غواية الإنسان أو السيطرة عليه منذ اللحظة الأولى لخروجه إلى الدنيا ، وذلك من خلال نخسه أو مسه كما ورد في الروايات فيستهل الطفل صارخاً بسبب نخسة الشيطان (_ ) ، ولعل لتلك النخسة آثارها على مستقبل الطفل ، بحيث تكون أول أشكال النقمة الشيطانية بالإنسان ومظهراً من مظاهر الهيمنة عليه .
وكما أن الشيطان قد حرص على اللحظة الأولى ، كذلك نبي الرحمة حرص على اللحظة الأولى لخروج الإنسان للدنيا لكي تتولاه رحمة الله بدلاً من لعنة الشيطان ، تقول عائشة رضي الله عنها : «  كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ للنبي r   فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ  »  ([7])  قال النووي : «    وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم , وسواء في هذا الاستحباب المولود في حال ولادته وبعدها . وفيه : الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالصغار وغيرهم . » ([8])     والتبريك يراد به الدعوة للطفل بحياة مباركة  ، ومن مظاهر عنايته بالطفل أيضاً ما  رواه  أبو رَافِعٍ t  قَالَ : «  رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  r    أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ . » ([9])  وفي روايات أخرى أشارت للأذان في الأذن اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى ، وهذا من وفور رحمته بالطفل وحرصه على دفع الشيطان عنه فالثابت أن الشيطان يفر من الأذان والإقامة ؛ لذا راغمه النبي r   بهما لكي يدفعان الشيطان الذي كان يرصده حين يولد ، ولكي يكون أول ما يقرع سمعه كلمة التوحيد
إضافة لكلمات تتضمن الإشارة إلى كبرياء الله وعظمته ونهج الفلاح في الدنيا والآخرة . (_ )     
خامساً :  الترخيص للمرأة أن تأخذ من مال زوجها غير المحجوب بدون علمه لرعاية أطفالها .
رخص النبي r   للمرأة أن تأخذ من مال زوجها إذا كان يمسك عن الإنفاق على أولاده وقد قيد النبي r  هذا الأخذ بالمعروف واستثناه من السرقة ومن ذلك أن هند جاءت للنبي r  وقالت له :  «  يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ » ([10])
سادساً : إثبات الحقوق اللازمة لتحقيق حياة سوية للأطفال .
من نظر للرسالة المحمدية يجد أنها أثبتت للطفل حقوقاً متعددة تكفل له الحياة الكريمة ، من هذه الحقوق حق الرضاع ، وقد أوجبت على الأم إرضاع طفلها اللبأ اللازم له في بداية حياته ، ثم أوجبت على الأب رعاية حق الرضاع ونفقاته ؛ وإن فقد الأب تولى الأقرب هذا الحق وفق منظومة أولويات قرابة تلزم اللاحق إن فقد السابق حتى لا يضيع حق الطفل ، وكذلك أثبتت الرسالة للطفل حق الحضانة وفق الأنسب في القيام بهذا الحق بما يتناسب مع الطفل ، ومراحل حياته ، كذلك أثبتت له حق النفقة على الغير ، وأثبتت له حقه في الميراث حتى لو كان جنيناً في بطن أمه ، ومن نظر إلى تفاصيل الحقوق السابقة في الشريعة الإسلامية يرى مدى اهتمام الإسلام برعاية حقوق الطفل  ، ويرى الدقة العجيبة في الالتزامات وفق منظومة القرابة ، والتي تحرص من الدرجة الأولى على عدم تضييع حق الطفل أو تغييبه في جميع الأحوال .   
سابعاً  :  رحمته في الأطفال بإثبات حقهم في النسب .
حرص النبي r   على انتماء الطفل لأهله وأسرته ، وذلك رعاية لحقه وتكريماً له من أن يشبه الحيوانات والسوائم ومن ذلك قوله r   : « أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ  »   ([11])  ويعتبر حق النسب من آكد الحقوق في الإسلام وتتجلى خطورته  في أن فواته أو ضياعه ، أو الشك في انتساب النسل إلى أصله يفضي إلى انقطاع تعهد الأبناء من قبل الآباء ، أو يزيل من الأصل الميل الجبلي والفطري الباعث على الذب عن فرعه ، والقيام عليه بما فيه بقاؤه أو صلاحه . وكذلك ثبوت هذا الحق يترتب عليه حقوق مختلفة مثل: حق الرضاع والحضانة والنفقة والإرث ، إضافة إلى أنه يصون الطفل من الضياع ، ويحميه من
التشرد ، ويجنبه التعيير بكونه ولد زنى ….إلخ   ([12])


([1]) أخرجه البخاري في النكاح ، برقم 4802 [ البخاري ( 5/1958) ]
([2])  أخرجه الترمذي في النكاح ، حديث رقم  1084-1085  وقد أورده بطريقين أحدهما عن أبي هريرة ، والآخر عن حاتم المزني ، وقال عن حديث حاتم  حسن غريب [السنن ( 3/394 وما بعدها ) ]  ؛ وابن ماجة في النكاح  ، حديث رقم 1967 [انظر سنن ابن ماجة (1/632) ]
([3]) أخرجه ابن ماجة في النكاح   [ انظر سنن ابن ماجة (1/633) ] ؛ والحاكم :  المستدرك  ( 2 /167) وقد قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ولم يوافقه الذهبي ؛ لأن في إسناده الحارث وهو متهم   ؛ وقد ذكر ابن حجر أن الحاكم صحح الحديث ، ولم يعقب عليه ، وذكر أن له إسناداً آخر عند أبي نعيم ، وعقب بقوله : ويقوي أحد الإسنادين بالآخر [ انظر فتح الباري (9/28) ]
([4]) أخرجه مسلم  برقم1695 [ صحيح مسلم ( 2/1321 ) ]
([5])أخرجه مسلم  برقم 1695[ صحيح مسلم ( 2/ 1323) ]
([6]) أخرجه الترمذي برقم 715 و قال  : حديث حسن . [  السنن ( 3/94)  ]    
(_ )   ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  r  قَالَ : «  مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلَّا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ  : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ  [ أخرجه مسلم برقم 4363]
([7])  أخرجه مسلم برقم 286 [ صحيح مسلم (1/237) ]
([8])  النووي : شرح مسلم ( 3/195)
([9])  أخرجه الترمذي  برقم 1514 [ السنن  ( 4/97) ]
(_ ) قد يستغرب البعض ويقول ما قيمة الأذان والإقامة في طفل معجم لا يعقل ، وهذا من جهل البعض في الطبيعة الإنسانية وأسرارها ولا يستغرب من وصول أثر الآذان والإقامة لقلب الطفل وتأثره بها ، وقد ورد في دراسات تربوية معاصرة أن الإنسان يخزن 95% من القيم والمعتقدات التي يحملها في السنوات السبع الأولى ، وفي دراسة أخرى تشير إلى أن الإنسان يستمر يعاني من ثلاثين إلى أربعين سنة  بسبب  الخمس سنوات الأولى في حياته ؛ فإذا كانت هذه نتائج التربية المعاصرة والتي جعلت للسنوات الأولى في حياة الطفل الأثر الأكبر في مستقبله ؛ لذا ما المانع من أن تكون اللحظة الأولى من حياة الطفل هي الأكثر تأثيراً على مستقبله ، وما جهله علماء التربية علمه نبي الرحمة من خلال الوحي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً .     
([10]) أخرجه البخاري برقم 5049 [ البخاري ( 5/2052 ) ]  
([11])  أخرجه أبو داود برقم 2263[ السنن ( 2/279) ] ؛ والنسائي [ السنن  (6/179) ]
([12]) انظر ابن عاشور : مقاصد الشريعة (81) ؛ القادري : الإسلام وضرورات الحياة (90)  

ليست هناك تعليقات: