كمال
تكريم الله له .
وهذا
واضح من تلك التزكية التي نالها محمد r من السماء
، فقد زكى الله بصره بقوله : } مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى { ([1]) ، وزكى
فؤاده بقوله سبحانه وتعالى : } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى { ([2]) وزكى منطقه فجعله وحياً سماوياً
بقوله : } وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى { ([3]) وزكى معلمه ومرشده فقال : } عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى { ([4])
} ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ
مَكِينٍ ، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ { ([5]) ، وزكى خلقه ووعده بجزيل الأجر
وعظيم المنزلة بقوله سبحانه وتعالى : } وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا
غَيْرَ مَمْنُونٍ ، وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ { ([6]) ولئن طلب موسى r انشراح الصدر ليقوم بأعباء رسالته فقال مخاطباً
رب العزة : } قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي { ([7]) فإن محمداً
r قد نال انشراح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر دون
طلب منه : } أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ،
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ
{ ([8])
ولئن عاتب الله نوحاً عتاباً قاسياً على اجتهاده وطلبه من ربه أن ينجي ابنه فقال
له : } قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ { ([9]) أما محمد r فإن عتاب الله له على اجتهاده قد
سبقه العفو عنه ، وذلك عندما اجتهد في مسالة الإذن للمنافقين : } عَفَا اللَّهُ عَنْكَ
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ
الْكَاذِبِينَ { ([10])
.
ومن مظاهر التكريم أن الله كان ينادي كل نبي
باسمه إلا محمداً r فإنه كان
يخاطبه بقوله : يا أيها النبي ، يا أيها الرسول ، وإذا ذكر اسمه لا يذكره مجرداً ،
فيقول : محمد رسول الله .
و كذلك من أشكال التكريم أن الله قرن اسم النبي
محمد r مع اسمه
في شهادة الحق والدخول بالإسلام ، ويصدح بها على المآذن إلى قيام الساعة .
ومن تكريم الله له أن جعله شمس الهداية ونور
الروح الإنسانية إلى قيام الساعة ، يقول الله سبحانه وتعالى : } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا { ([11])
وجعل طاعته موجبة للرحمة : } وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { ([12]) والاستجابة له موجبة للحياة
السعيدة : } أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ { ([13]) ومعصيته
موجبة للضلال المبين : } وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { ([14]) وإيذائه موجب العذاب الأليم : } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { ([15]) وبعثته من
باب المنة على المؤمنين : } لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ { ([16]) واعتبره
المثل البشري الأعلى وقدوة للعالمين : } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { ([17])
ولعل من أبلغ مظاهر التكريم أن الله قد أقسم
بالنبي محمد r ، ولا
يقسم الله إلا بكل عظيم يقول الله سبحانه وتعالى : } لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي
سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ { ([18])
ونختم هذا التكريم بتلك الرحمات التي يسبغها
الله سبحانه وتعالى على محمد r في ليلة ونهاره ،
وذلك الاستغفار الذي جند الله أهل السماء له ، وتلك المطالبة من المؤمنين بأن
يلهجوا بالدعاء لمحمد r أسوة بأهل السماء
يقول الله سبحانه وتعالى : } إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا { ([19])
د. محمد المبيض كتابه نبي الرحمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق