السبت، 9 يونيو 2012

مجمل أوصاف الحبيب محمد عليه السلام


كمال خلقته وحسن صورته :
لعل أبلغ وصف للنبي r  هو ما ورد عن هند بن أبي هالة الذي كان وصافاً ، فقال عن حلية النبي r وخلقته : « كان رسول الله  r  فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة رجل الشعر أن انفرقت عقيصته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة اليسرى إذا هو وفره ، أزهر اللون واسع الجبين ،  أزج الحواجب سوابغ قرن بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من يتأمله أشم ، كث اللحية سهل الخدين ، ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان ، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة  ، معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر ،  عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس ، أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الزندين ، رحب الراحة سبط القصب شثن الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء » ([1])
هذه أبرز معالم صورة النبي r ، وأكمل توصيف لها ، وما غاب من أوصاف النبي عن هند ذكره غيره ممن رأى النبي r ،  ونلحظ على التوصيف السابق أنه جاء بلغة غريبة عن عصرنا ، وتحتاج لبيان وتوضيح أسوقه مفصلاً ومكملاً من خلال ما ذكر عند غيره من أوصاف :
وجه النبي :
كان النبي r أحسن الناس وجهاً كأن الشمس تجري في وجهه ، فبشرته بيضاء نسبياً مشربة ببعض الحمرة ؛ لذا وصف بأنه أزهر اللون ، وهو من أجمل ألوان البشرة ، وكان  وجهه مستديراً قليلاً  r  ولم يكن سميناً كثيراً ولا نحيلاً غائراً ، بل كانت لحمة وجهه بين ذلك ، وكان يرى في وجهه مسحة نور معنوي تزيده جمالاً وهيبة ، وقد أجمع كل من خالطه على جمال وجهه ومسحة النور التي تجلله ، عن كعب بن مالك t قال : «  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ   إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ . » ([2])  وعن جابر يصف وجه النبي r : «   كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَانَ مُسْتَدِيرًا  . » ([3]) وسئل الطفيل كيف رأى النبي r فقال : «   كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَهْوِي فِي صَبُوبٍ  . » ([4])وقال جابر بن سمرة : «   رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ   فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  r  وَإِلَى الْقَمَرِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنْ الْقَمَرِ . » ([5])  وقالت أم معبد : «  رأيت رجلا ظاهر الوضاءة   بلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزريه صعلة وسيم قسيم . » ([6])
وصف ملامح الوجه والرأس :
كان النبي r أسيل الخد ؛ أي خده ناعم فيه استطالة غير مرتفع الوجنة ، وأما عيناه فكانتا واسعتين ، في بياضهما حمرة خفيفة ، وأهدابه طويلة ، وحاجباه طويلان تامان لكن غير متصلين ، أما الأنف فكان أقنى ، والقنا هو طول في الأنف مع ارتفاع في وسطه ودقة في أرنبته أو مقدمته ، وأما جبينه فقد كان واسع الجبين عظيم الجبهة ، وفمه كان عظيماً وأسنانه بيضاء ، وكان أفلج الثنايا براقهما أي متباعد ما بين الأسنان الأمامية مع سطوع وبياض شديد . أما الرأس فقد كان ضخماً عظيماً وشعره رجل أي بين النعومة والخشونة  ، يفرقه من وسطه ولا يجاوز شحمة أذنه .
وصف جسد النبي r :
كان النبي r معتدل الطول ليس بائناً في الطول ولا قصيراً وكان أقرب للطول منه للقصر ، وكان منكباه عريضين ، ورقبته بيضاء  طويلة ، و لم تكن بطنه نحيفة ولا منتفخة ، بل ارتفاعها يتساوى مع صدره ، وكان شعر صدره خفيفاً اقتصر على أعالي الصدر دون الثديين ، وكان له شعر على الذراعين والمنكبين ، أما ذراعه فكانت طويلة ضخمة ، و كفه ناعمة واسعة ، أما أقدامه فطويلة ضخمة ، وراحة قدميه خميصة أي مرتفعة من وسطها  .
هذا مجمل وصف النبي r ، وهذا الوصف بين العرب يعتبر أكمله ؛ لذا جاء مدحهم وتغزلهم بشنب الأسنان وخمص الأقدام ، وطول الأهداب ، وقنا الأنوف وتفلج الأسنان وضخامة الفم ، وسعة الكف وغير ذلك .
ولقد زاد من جماله الجسدي تلك الخصوصية التي نالها من رب العزة حتى جعله الأكمل والأجمل في كل مقام ، فقد كان النبي r ربعة بين الرجال ، أي متوسط الطول ، ومع ذلك لم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله ، وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيمشي بينهما فيطولهما ، فإذا فارقهما عاد ربعة . ([7])  وإذا جلس r كان كتفه أعلى من الجالسين ، يقول الخفاجي : « لم يخلق أطول من غيره لخروجه عن الاعتدال الأكمل ، لكن جعل الله له هذا في رأي العين معجزة خصه بها لئلا يرى تفوق أحد عليه بحسب الصورة ، وليظهر بين أصحابه تعظيماً له بما لم يسمع لغيره ، فإذا فارق تلك الحالة زال المحذور وعلم التعظيم ، فظهر كماله الخلقي . » ([8])
ومن كمال جماله ذلك التأثير على من حوله وتلك الرائحة الطيبة التي كانت تفوح منه ، يقول أنس t : «   كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  r  أَزْهَرَ اللَّوْنِ كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ ،  وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ  r ،  وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسول الله r  . » ([9])   
وزاد من تلألؤ جماله تلك النورانية التي تشرق على محياه حتى تحير البعض في وصفه ، قيل للربيع بنت معوذ صفي لنا رسول الله r فقالت : «  يا بني لو رأيته لرأيت الشمس طالعة . » وقالت امرأة من همدان : حججت مع رسول الله r ، فقيل لها : شبهيه لنا : فقالت : «  كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله . » ([10])
يقول الشاعر ابن الخطيب :
أنت الذي من نورك البدر اكتسى              والشمس مشرقة بنـور بهاكا
أنت الذي لما رفعت إلى السـماء               بك قد سمت وتزينت لسراكا
وبالرغم من هذا الجمال المحمدي إلا أنه لم يكن مدعاة لفتنة البعض به ، وذلك لما كساه الله من جلال الهيبة التي كانت تمنع الكثيرين من إدامة النظر إلى وجهه الكريم ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يستطيعون إمعان النظر فيه لقوة مهابته ومزيد وقاره ، ومن ثم لم يصفه إلا صغارهم أو من كان في تربيته قبل النبوة كهند بن أبي هالة و علي t ، وقد أشار عمرو بن العاص إلى تلك الهيبة والوقار اللذين يجللان وجه رسول الله بقوله : « وما كان أحد أحب إلي من رسول الله  r  ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ولو سئلت أن أصفه ما   أطقت   أني لم أكن أملأ عيني منه » ([11])
فإذا كانت تلك التي استشعر بها عمرو t قد منعته من أن يديم النظر في وجه النبي r مع تأخر إسلامه فمن سبقه من أوائل الصحابة كانوا أولى برؤية هذه المهابة التي كانت تجلل وجه النبي r  .
  وقد دخل على رسول الله r  رجل فأصابته من هيبته رعدة  فقال له : «  هون عليك فإنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد . » ([12]) ، وهذه الهيبة هي التي حدت بهند بن ابي هالة أن يبدأ بها وصفه للنبي r حيث قال : كان فخماً مفخماً .     


([1]) أخرجه الطبراني برقم 414 [ المعجم الكبير ( 22/156) ] ؛ والبيهقي برقم 1430 [ شعب الإيمان ( 2/155) ]
([2]) أخرجه البخاري برقم 3363 [ البخاري ( 3/1395) ]
([3]) أخرجه مسلم برقم 2344 [ صحيح مسلم ( 4/1823) ]
([4]) أخرجه أبو داود برقم 4864 [ السنن ( 4/276) ]  
([5]) أخرجه الترمذي برقم 2811 ، وقال : حديث حسن [ السنن ( 5/118) ]
([6]) أخرجه الحاكم برقم 4274 ، وقال صحيح الإسناد [ المستدرك ( 3/10) ]
([7]) الترمذي : نوادر الأصول ( 1/224)
([8]) انظر أبو شباب : الخبر اليقين ( 48)
([9]) أخرجه البخاري برقم 2330 [ البخاري ( 4/1814) ]
([10]) انظر الحسني : محمد الإنسان الكامل ( 16)
([11]) أخرجه مسلم برقم 121 [ صحيح مسلم ( 1/112) ]
([12]) أخرجه الحاكم برقم 3733 ، وقال : صحيح على شرط الشيخين [ المستدرك ( 2/506) ] 

ليست هناك تعليقات: