من تتبع غزوات النبي r يجد أن
الهدف الأساس التي كانت تخضع له هو هداية الناس ، ولم تكن السيطرة وتوسيع الملك
والاستيلاء على خيرات الأمم أحد أهدافه في أي غزوة من غزواته ، وهذا مبدأ واضح كان
يؤكد عليه النبي r دائماً
منه قوله لعلي t عندما أعطاه الراية لفتح خيبر : « عَلَى
رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ
وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ
» ([1]) فهذا الأثر واضح
الدلالة في تربية النبي r لأصحابه
على تقديم الهداية على غيرها من مغانم الدنيا ومكاسبها ؛ بحيث يرى المسلم أن
حصولها هو الهدف الأسمى لتضحياته وقتاله ، بل من نظر إلى غزوة حنين يجد تطبيقاً
عملياً نموذجياً لم تعهد مثله البشرية جميعاً ؛ حيث وزع النبي r أكثر
الغنائم تأليفاً للقلوب ، ونالت قريش وكبارها كصفوان بن أمية ممن كانوا أشد الناس
عداوة للنبي r الحظ
الأوفى منها ، ورجع هو وأكثر الناس تضحية
وعطاء للدين ( الأنصار ) ولم يحملوا معهم من حطام الدنيا شيئاً ، مما يشير صراحة
إلى أن هذه الغزوات كانت باباً من أبواب الرحمة بالبشرية .
نخلص مما سبق أن المواجهة العسكرية كانت إجراءً
ألجأت له الضرورة ومقتضيات الرحمة بالبشرية ؛ لذا هو شكل من أشكال الرحمة النبوية
بالبشرية ، كذلك اعتبار المواجهة العسكرية يدخل في باب الضرورة يبرز أنه ليس الأصل
في العلاقة مع الآخر ، ويهدف إلى حسر الفكر العدواني عنده ، وهذا من صميم ثقافة
السلام التي أظهرنا معالمها عند محمد r ؛ إنها أشبه بتدخل جراحي محدود ، وله دواعيه الإنسانية .كذلك يتضح
لنا أن الدعوة السلمية أصل في رسالة محمد r ،
والمواجهة العسكرية استثناء يكفل حرية نشر الدعوة الإسلامية بعيداً عن الصد والقهر
والاضطهاد ، وذلك عند تعرض الدعوة السلمية لمثل تلك التصرفات القسرية المانعة
للناس اختيار طريقهم نحو الهداية ، وسيتضح لنا ذلك جلياً في المطلب التالي الذي يفصل
أهداف الحرب في الإسلام .
د. محمد المبيض كتابه ثقافة السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق