الاثنين، 11 يونيو 2012

العبادة والسلوك ( لا عبادة بدون أخلاق )


الفلسفة المهيمنة على مفهوم العبادة .
العبادة هي الأفق الأسمى الذي تصبو إليه قلوب العباد ، بل لا يتصور أي معنى لكلمة عباد دون العبادة ؛ لذا جعلها الله سبحانه وتعالى الحكمة من خلقه لعباده ، يقول
الله سبحانه وتعالى :  «  مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  »  ([1])
فالآية صريحة في بيان أن المقصد الحقيقي والوحيد من خلق الثقلين (الإنس والجن ) هو عبادة الله سبحانه وتعالى ، ومقتضى هذا المفهوم أن الإنسان مطالب بعبادة الله سبحانه وتعالى خلال الأربع وعشرين ساعة من يومه ، وهذا أمر غير متصور من خلال العبادة التعبدية ؛ أي العبادة المتضمنة لشعائر معينة ( صلاة – صوم – زكاة – حج ) والتي يتقرب بها العبد من ربه ، فالزكاة تأخذ جزءً من ماله خلال السنة وقد لا يكلفه إخراجها أكثر من ساعة واحدة ، والحج مرة واحدة في  العمر ، ووجوبه مقيد بالاستطاعة ؛ لذا يحتمل أن تدور عجلة الوقت على المسلم دون أن يلزمه أداء هذه الفريضة في كل حياته ،  والصوم يأخذ من وقت الإنسان شهراً واحداً في العام ، والصلاة لا تأخذ من وقت الإنسان أكثر من ساعة واحدة في اليوم ، وأنا هنا أتحدث عن المقدار الواجب على الإنسان ، يبقى تساءل هام : الصلاة تأخذ من يوم الإنسان ساعة واحدة ، ويبقى في ذمته ثلاث وعشرون ساعة ، فما هو وجه التعبد المطالب فيه خلال هذه الساعات الطوال ؟
وهذا التساؤل يفتح لنا المجال أمام شكل آخر من أشكال التعبد ، هو الكفيل باستيعاب يوم الإنسان ، والضامن للإنسان في المحافظة على إنسانيته كما أرادها الله سبحانه وتعالى له وفق درجة التكريم التي أكرمه بها ، إنه مجال العبادة الخلقية ، إنه الارتقاء في سلم القيم والفضائل ليكون سيد المخلوقات ومناط الاستخلاف في الأرض ، وأهلاً للخطاب الرباني في الإصلاح لا الإفساد وقد بين النبي r هذا المعنى بقوله : «   السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وَأَحْسِبُهُ قَالَ يَشُكُّ الْقَعْنَبِيُّ - كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ .  » ([2])  « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » ([3])
فالحديثان صريحان في أن العبادة الخلقية هي الكفيلة باستيعاب المفهوم الواسع لعبادة الإنسان لخالقه ، فالإنسان بخلقته وفطرته لا يستطيع أن يستوعب  جميع حياته صوماً أو صلاة ، لكن يملك أن ينال أجر الصائم القائم إذا ارتقى في سلم القيم والأخلاق ، وهو بهذا الصنف من العبادة يمتلك أن يحول حياته كلها إلى عبادة لله سبحانه وتعالى .


([1]) الذاريات : الآية 56  
([2])أخرجه البخاري برقم  6007 ( 8/9)  
([3])أخرجه أبو داود ، قال الألباني صحيح ، حديث رقم 4798( سنن أبي داود ( 4/252) ]  

ليست هناك تعليقات: