يقول الله I : « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ([1]) وعن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ t « كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ r يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي
وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ . » ([2])
وفي رواية زاد فيها : « وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ » ([3])
الآية السابقة بينت أن عنوان رسالة محمد r هو الرحمة العالمية ، وهذا يقتضي أن تكون كل تصرفاته خاضعة للفكر
الرحيم ، والأثر السابق بروايته ذكر وصفين لرسول الله r هما : نبي
الرحمة ونبي الملحمة ، واتصاف النبي r بهذين
الوصفين إشارة إلى أنه تميز بهما عن سائر الأنبياء ، ونبي الرحمة وصف عام يستغرق
كل تصرفات النبي r خلال
سيرته العطرة ، أما نبي الملحمة فهو وصف خاص تعلق بسيرة النبي الجهادية ، وقد عبر
عنه النبي r من خلال
آثار كثيرة منها : « لَوْلَا أَنْ
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ» ([4])
« بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ
اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَجُعِلَ
رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ
خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ . » ([5]) « اعْلَمُوا
أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ . » ([6])
هذه النصوص وغيرها كثير فيها تفصيل لوصف النبي r بكونه نبي
الملحمة ، فهل هذا الوصف يتناقض مع كونه نبي الرحمة ، وهل إقدام النبي r على
المواجهة العسكرية يتنافى مع حقيقة كونه رسول الرحمة العالمية ؟
والذي حدا بي للخوض في هذا الموضوع أن الكثيرين
في عصرناً من أهل الملل الأخرى يستغلون هذا الجانب من حياة النبي r للطعن به
، ويرون أن مجرد اختيار النبي r لنهج
القتال يعتبر مطعناً في نبوته ، وشرخاً في ادعاء المسلمين أنه رسول الرحمة
العالمية كما يزعم البعض .
كذلك الطعن في النبي r من هذا
الوجه فيه مطعن في المسحة الأخلاقية
المهيمنة على حروبه من جهة ، ومن جهة أخرى فيه شرخ لمعنى هام من معاني ثقافة
السلام في جهد النبي r ؛ لذا اقتضت هذه
الافتراءات منا إفاضة في التوضيح والبيان ، لكي لا تبقى لمستريب حجة يتعلل بها ،
ولا لمغرض هالك قشة يتشبث بها ، ليحيى من حي عن بينة وليهلك من هلك عن بينة ،
وليتضح للعالم بأسره من جميع الوجوه أن محمداً رسول الإسلام هو الترجمة الحقيقية
للرحمة العالمية وأن جهاده إنما خرج من نفس بوتقة ثقافة السلام التي حكمت نهجه
الإصلاحي ، وما غزواته إلا مظهرٌ من أجل
مظاهر رحمته بالبشرية ، وهذا باب عظيم غفل
عنه الأكثرون كما سيتضح خلال مقالات متعددة ساطرحها عبر المدونة
د. محمد المبيض كتابه أخلاقيات الحرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق