نبي السلام والحروب
نشأت رسالة
محمد r في بيئة عنيفة بطبعها ،
تتميز بالتمرد والقسوة والغلظة والغلو في النوازع الانتقامية ، بيئة ترعرعت فيها
ثقافة العنف بجميع أشكالها إضافة لتلك الفوضى الدينية المبنية على تعدد الآلهة
لدرجة أن كل قبيلة كان لها إلهها الخاص بها ، هذه البيئة بما تشربته من ثقافة عنف
وتمرد لا يسهل على أهلها استساغة دين جديد يخرجها عما ألفته ، وينزع من قادة
قبائلها سؤددهم وسيادتهم – حسب ظنهم - ؛ لذا كانت المواجهة العنيفة مع هذا الدين
الجديد والتي أخذت شكل الحروب في العهد المدني مما اقتضى من النبي r وصحابته الكرام خوض معارك يصدق فيها وصف الحروب الدفاعية أو
الهجوم الدفاعي لحماية الكيان الناشئ .
هذه الحروب التي خاضها النبي r ، وتعاليم الوحي التي كانت توجهها أصبحت غرضاً لسهام الطاعنين
والمشككين في رسالة الإسلام ؛ حيث وجد هؤلاء – بزعمهم – مادة حية تصلح للطعن في
نبوة محمد r وتعاليمه ، حيث عد هؤلاء أن رسالة الإسلام لم تنتشر إلا بالسيف ،
وأن تعاليمها تتضمن مادة تحريضية معززة لثقافة العنف ، وأن النبي r من خلال تعزيزه لهذه الثقافة استطاع أن يهيمن على العرب والعالم
القديم ، إضافة إلى اتهام النبي r بارتكابه تجاوزات تمس أخلاقيات الحروب كقتله لبني قريظة واعتماده
نهج الاغتيالات السياسية ، ويرى هؤلاء أيضاً أن مساحة الحرب الواسعة في العهد
المدني تشير إلى ذلك ضرورة .
ولم يكتف
هؤلاء بذلك بل زاد مستوى الاتهام لدرجة أنهم يعتبرون أن المُنَظِّر الفكري والمغذي
الحيوي والمحرض الأول لظاهرة العنف والإرهاب الدولي حسب ما يزعمون هو محمد r وتعاليمه ، وهذا واضح من طبيعة الرسوم المسيئة للنبي r والتي تبرز هذه الفرية بشكل جلي واضح ، وما زالت تلك الرسوم
وأحياناً المقالات واللقاءات تخرج علينا بين الفينة والأخرى لتعزز أن محمداً r هو عدو لثقافة السلام خابوا وخسروا بزعمهم هذا .
هذه مجمل الطعون ذات العلاقة بحروب النبي r ، وهذا يقتضي منا الإفاضة في الرد على هذه المزاعم من عدة محاور :
المحور
الأول :
ما هو الجو العام الذي يحكم حروب البشرية ؟ وما هي طبيعة الثقافة التي نشأت فيها
رسالة محمد r ؟ وما هو موقع حروب النبي r من هذه الحروب ؟ وما علاقة ثقافة السلم وغايات تعزيزه منها ؟
المحور الثاني : ما هي
مسوغات المواجهة العسكرية ودواعي القتال عند النبي r ؟ وهل هذا يتنافى مع طبيعة رسالته الرحيمة ؟ وهل
فيها أي إشارة إلى نزوع النبي r إلى العنف وثقافة العنف من خلالها ؟
المحور الثالث : ما هي الأخلاقيات
المهيمنة على حروب النبي r سواء أخلاقيات الشروع في الحرب ، أو أخلاقيات الانتصار ، وهل يبرز
من خلالها ثقافة العنف أم ثقافة السلام ؟ وهل هي حروب من أجل الحرب والهيمنة
والاستغلال أم هي حروب من أجل السلام ؟
المحور الرابع
: ما هي المواقف والشبهات التي استغلها المغرضون
للطعن برسول الله r ؟ وهل تسلم لهم أم تدل على غير ما يرومون ؟
المحور الخامس
:
ما هي مساحة ثقافة السلام في حروب النبي r ؟ وهل يمكن صنع السلام من خلال الحروب بنفس الطريقة التي عهدت من
رسول الله r ؟
المحور السادس
:
ماذا يقول المنصفون عن حروب النبي r ؟
المحور السابع : هل خرجت حروب النبي r عن قيم ثقافة السلام كالعدل والإحسان والمسامحة والحوار ؟
هذه أبرز المحاور التي يمكن من خلال مناقشتها ملاحقة
الشبهات التي يثيرها المغرضون من جهة ، ومن جهة أخرى تتضح لنا مساحة ثقافة السلام
في جزء حيوي حساس من حياة النبي محمد r ، وسأحاول في طرحي خلال المباحث والفصول القادمة تناول هذه
المحاور ضمن تسلسل منطقي فيه إفاضة ومزيد بيان في ثوب فكري جديد لم يطرح – في ظني
- من قبل ، ويستبيحني القارئ عذراً بسب الإفاضة والتوسعة والإطناب في طرح أفكاري ؛
فذلك لحساسية الموضوع الذي يقتضي الإفاضة الكفيلة بإذن الله بمعالجته من جميع
محاوره ، وملاحقته من جل جوانبه ، خاصة أن استيعاب هذه الموضوع الجوهري من حياة
النبي r استيعاباً شمولياً له أثره المباشر في الفكر الإسلامي والفهم
الرسالي بما ينعكس إيجاباً على التصور والسلوك
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق