الأحد، 10 يونيو 2012

بداية الوحي من جبل الطور إلى جبل النور


  ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى    ([1])

بعد رحلة طويلة و تيه في صحراء باردة وجد موسى r   ناراً فقصدها لعله يجد عندها الأنس أو ما يقيه من برد تلك الليلة فكان القدر الإلهي ببداية البعثة الربانية والتي بدأت من ذلك المكان الموحش عند جبل الطور الذي أصبح أكثر الأماكن في الأرض إيناساً لموسى r   .
ومن جبل الطور إلى جبل النور ، إلى ذلك المكان الموحش الذي ساق الله سبحانه وتعالى إليه محمداً r   ؛ حيث حبب إليه هذا المكان ليقضي فيه الليالي الطوال ، إنه نفس القدر الإلهي يتكرر مع صاحب الرسالة الخاتمة ، بالرغم من وحشة المكان (_ )  إلا أن النبي r   قد حبب إليه الاختلاء فيه ، وكان عنده  أكثر إيناساً من مكة نفسها التي طمس أنسها ما أحدثه الناس من جاهلية جعلتها أكثر وحشة للرسول الأعظم من ذلك الجبل الذي لا يرى فيه إلا ملكوت السموات والأرض ، كيف حبب له هذا المكان إنه القدر الرباني ، وكيف شعر النبي r   بالأمان في ذلك الغار إنه نفس القدر الذي حبب للنبي موسى r  الإقبال مرة أخرى نحو الطور في جوف الليل  : } أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ { ([2]) } لاَ تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ  { ([3]) ؛ لذا لاحظنا بعد انقطاع الوحي فترة بدأ يشعر النبي الأعظم بالوحشة ، بل أصبح كالهائم على وجهه في جبال مكة وشعابها ، و لم يذهب هيمانه وحزنه إلا رؤية جبريل مرة أخرى ، إنها نفس حالة الاشتياق التي سرت في أعماق موسى فتعجل لقاء ربه : }  وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى  { ([4])


([1])  طه : جزء من الآية 40
(_ ) بعد خمسة عشر قرناً من الرسالة وبعد ذلك العمران غير المعهود في مكة المكرمة زرت جبل النور ، ورأيت أنه ما زال موحشاً حتى في عهد المدنية المعاصرة فكيف كان في عهد البعثة ، وفي تلك العصور السحيقة وكيف حبب للنبي المكوث فيه الليل والنهار بالرغم من أن الإنسان العادي قد يسأم من المكث فيه ساعات محدودة في النهار ، ويخشى المكث فيه دقائق معدودة في الليل .
([2])  القصص : جزء من الآية 31
([3])  النمل : جزء من الآية 10
([4])طه : جزء من الآية 84  

ليست هناك تعليقات: