ذكرت في مقالة سابقة أن التدخل الجراحي يعتبر مظهراً من
مظاهر الرحمة عند تعذر أي وسيلة للعلاج ، ولا يلجأ إليه إلا عند الضرورة ، فهو
علاج بغيض إلا أن الضرورة تقتضيه رحمة بالمريض وخوفاً من عواقب المرض المتضاعفة
، وقد أشار النبي r إلى أن أحد أسباب الشفاء الثلاثة الكي ؛ وبالرغم
من ذلك كره النبي استخدامه لما يترتب عليه من آلام وتشوهات لكن الضرورة تلجئ إلى
استخدام هذا العلاج البغيض النافع ، وذلك لحسم مرض عجزت أمامه الوسائل الأخرى ،
فأصبحت ضرورة حسم المرض أعظم من مفسدة استخدام الكي ، لكنه آخر وسيلة يلجأ إليها ،
وذلك عند استنفاد كل الوسائل الأخرى .
والملاحظ من منهج نبي الرحمة أنه كان يستخدم
الدعوة السلمية ويحض عليها ويمنع غيرها ؛ لكن عندما ضُيق عليه وأصحابه ، ولوحقوا
في كل مكان حتى أنهم عندما فروا للحبشة بدينهم لاحقتهم قريش عبر البحار ، وعندما
هاجروا للمدينة لاحقتهم وقامت بمحاولات اختطاف من قلب المدينة لبعض المهاجرين كما
حصل من أبي جهل والحارث بن هشام مع عياش بن ربيعة ، فهذه الملاحقة والصد عن الرسالة
اقتضى التدخل العسكري من باب الدفاع ؛ لذا جاء الإذن باستخدام العلاج الأخير بعد
تعذر كل وسائل العلاج الأخرى يقول الله سبحانه وتعالى : « أُذِنَ
لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى
نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » ([1])
فالآية فيها إشارة إلى أن القتال كان محظوراً لكن استفحال الظلم في الجزيرة
العربية ، وشدة الملاحقة لأهل الرسالة بحيث لم تبق لهم وسيلة سوى الدفاع عن
رسالتهم ودفع الظلم عنهم ، فتعين استخدام القتال كوسيلة من وسائل الدعوة التي تؤمن
حرية انتشارها ، وأصبح استخدام القتال من باب البغيض النافع ، يقول الله سبحانه
وتعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ
خَيْرٌ لَّكُمْ » ([2])
د. محمد المبيض كتابه أخلاقيات الحرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق