الأحد، 10 يونيو 2012

هل كان النبي محمد عليه السلام شهواني كما يزعم المبطلون


: الرسول محمد r   وشبهة الشهوانية التي يحاول أعداء الدين إلصاقها به .
أثار بعض أعداء الإسلام شبهة أن الرسول كان شهوانياً ، ودللوا على ذلك بكثرة نسائه ، وهذه الشبهة يرد عليها من خلال البنود التالية .
1- تبين في سيرة المصطفى في ريعان شبابه أنه كان بعيداً عن مراكز اللهو في مكة ، وكل كتب السير والتاريخ تبرز مدى عفته وطهارته منذ صباه ، ولم يعرف عنه أنه استسلم للذات الحس ونزوات الشهوة في ريعان صباه ، ولم يسمع عنه أنه كان يلهو كما يلهو الفتيان حين كانت الجاهلية تبيح كل شيء ، ولم يعرف عنه أنه كان ممن تغريهم مفاتن النساء في مرحلة الجاهلية الأولى التي كانت فيها النساء تبدين زينتهن ، ولو حصل منه شيء لتواتر النقل في حقه خاصة من أعدائه الكثر في بداية الدعوة ، بل لم يعهد من أعدائه الكثر إلا الاعتراف بعفته وأمانته وترفعه عن الدنايا والسفاسف، وكانت تصدر منهم تلك الشهادات، وآتون العداوة ومرجلها المتقد في أوجه .  
2- يلاحظ من أول زواج للنبي r   عدم اهتمامه بأسباب المتعة الجسدية ومكملاتها ؛ حيث أنه تزوج امرأة ثيب تكبره خمسة عشر عاماً ، ولو كان مهتماً بذلك كبقية أقرانه لاختار من هي أصغر سناً من خديجة رضي الله عنها ، والمعلوم أن النبي r   قد قضى مع خديجة لوحدها زهرة شبابه كلها ، وما تزوج إلا بعد وفاتها ، بل لبث مدة بعد وفاتها لم يتزوج حتى بلغ عمره  اثنان وخمسون سنة  ، وهي سن تنفطم فيها شهوة الشهوانيين ، فهل يعقل أن ينقلب فجأة في سن الشيخوخة ويصبح لا هم له إلا النساء ويتزوج ثلاث نسوة في عام واحد بل في العام الذي جاوز فيه الستين من عمره .   
3-  من نظر إلى زواجه بعد ذلك يجد أن أكثر من تزوجهن كن ثيبات إلا عائشة التي بنى عليها النبي r   وعمرها ست سنين ، ولم يدخل عليها حتى أكملت تسع سنين وذلك على رأس ثمانية أشهر من الهجرة ، وقد كانت عائشة نحيفة خفيفة وزفت إليه ولعبتها في يدها ، ومنطق العقل يأبى أن يكون باعث الدخول بها لذة أو شهوة ، بل كان زواجه منها من باب الوفاء لأحب الخلق إليه الذي قدم ماله ونفسه لخدمة الرسالة ، إضافة إلى أن هذه المرأة ستكون ترجماناً حياً لجانب من جوانب الرسالة لا يطلع عليه إلا أزواجه ، فكان في صغر سنها ما مهد لها القيام بهذا العبء حتى كانت من أكثر المبلغين عن رسول الله r   ، وتعتبر من المكثرين من الرواية عنه .
4- أما باقي الزوجات الأخريات فكانت الرسالة والأهداف النبيلة وراء زواجه منهن ، و كان أول زواج له  من سودة بنت زمعة ، وقد تزوجها وفاءً للرسالة حيث إنها أسلمت من بداية البعثة وهاجرت إلى الحبشة وعندما عادت مات زوجها ولم يبق أمامها إلا العودة إلى أهلها فتصبأ وتؤذى ، فكان زواجه منها من باب النجدة لها ووفاءً لثباتها على الإسلام ، وحرصاً على عدم فتنتها وعودتها للكفر وكذلك زواجه من حفصة بنت عمر رضي الله عنه بعد وفاة زوجها ، كان وفاء لفاروق الأمة وأعظم أركانها  ،  وزواجه من أم سلمة بعد وفاة زوجها عبدالله بن الأسد الصحابي الجليل وابن عمة الرسول r  كان رعاية لحقه ولأسبقيته وزوجته في خدمة الرسالة ، وزواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان رعاية لها خاصة بعد هجرتها مع زوجها وتنصر زوجها ، وبقيت زوجته في عزلة وغربة ووحدة وهي بنت سيد قريش ، وكل ذلك وفاءً منها للرسالة ، فقابل النبي r   وفاءها بالوفاء إكراماً لها ، وهكذا من تتبع  كل زيجات النبي r   يجد وراء كل زواج هدف نبيل ورسالة يؤذيها صاحب رسالة الرحمة العالمية ، ويشار هنا إلى أن كل زيجاته هذه كانت في السنوات الأخيرة من حياته ، وفي فترة الكهولة ، إضافة إلى أن أكثر نسائه لم يكن على قدر من الجمال كما تبين كتب السير ، وأي شهوة هذه في زواجه من ميمونة بنت الحارث وقد بلغت من العمر إحدى وخمسين سنة مما يشير صراحة إلى أن الباعث من هذا الزواج كله لم يكن إلا أداءً لحق الرسالة ، بل كان زواجه هذا معلماً من معالم النبوة ومظهراً من مظاهر الرحمة النبوية وجانباً من جوانب العظمة المحمدية والكمال البشري .
5- يلحظ أن زواج النبي r  من أكثر نسائه كان في أصعب مراحل الدعوة الإسلامية ؛ حيث الغزوات والبعوث والتربية واستقبال الوفود ؛ وما كان النبي r   يفرغ من غزوة حتى ينشغل بغيرها ،  أي أن الرسول الأعظم لم يكن فارغ القلب أو خالي البال ، إضافة إلى ليليه الذي كان يقضيه بين يدي ربه ، ورجل هذا حاله لا يقال أن داعي الزواج عنده هو الشهوة أو اللذة الحسية .
6-  الرجل المزواج عرفاً لا بد أن يحرص على إرضاء أزواجه وتمتيعهن بالملبس والمأكل ، وهذا لم يحصل من رسول الله r  ،بل كانت حياته وبيوته وأزواجه شعاراً للزهد في الدنيا وشهواتها ، يقول توماس كارليل – أحد الفلاسفة الإنجليز - : «  ما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ، وشد ما نجور ونخطئ إذا ما حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ ، كلا فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أياً كانت ، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه ومأكله ومشربه وسائر أموره وأحواله . » ([1])
7- أحياناً نجد هذه الطعون على كثرة نساء النبي r   من أهل الكتابين ، والمعلوم أنهم بذلك إنما يطعنون بأنبيائهم ؛ حيث لو نظرنا لعدد نساء الأنبياء كما صرحت الكتب السماوية نجدها أكثر مما كان عند محمد r   فسليمان تزوج 1000 امرأة ، وداود 69 امرأة ، وجدعون 23 امرأة وإبراهيم 13 امرأة وسرية ، فقياساً مع هذه الأرقام نجد أن عدد زوجات النبي محمد r   متواضعاً . ([2]
8- الناظر لزواج النبي r وطبيعة النسوة اللاتي تزوجهن يضيف رصيداً واضحاً لعظمته وكماله البشري ، فبعض هؤلاء النسوة كان أصلهن من أهل الكتابين كمارية القبطية ، وصفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود ،   ،ودواعي العداوة بين أهلها وبين النبي r   معلومة فحيي بن أخطب والد صفية كان العدو اللدود للإسلام بين اليهود وكان النبي r  سببا في قتله في غزوة بني قريظة  ، إضافة إلى أم حبيبة التي كانت بنت سيد قريش وعدو الرسالة الأول . فهؤلاء النسوة بالرغم من طبيعة أصلهن ودواعي العداوة مع صاحب الرسالة عشن في بيت النبوة مخلصات لزوجهن ، ولم يجدن منه بادرة تشكك في نبوته ، وكن مدافعات عن رسالته بعد وفاته وقطعن كل أواصر العاطفة مع أقرب الناس إليهن لأجله ، وأصدق مثال على ذلك موقف أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان عندما جاء ليجدد العهد مع رسول الله بعدما نقضته قريش فدخل على ابنته ، فلما أراد أن يجلس على فراش النبي r   طوته عنه ، فقال : أرغبت به عني ، فقالت هو فراش رسول الله r   ، وأنت مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس عليه . فهذه القصة وغيرها تشير صراحة إلى أن نساء النبي r   كن يرين في علاقة الرسول معهن أنها امتداد لرسالته ومعالمها ، ومثلاً أعلى في أداء الواجبات البيتية مع ما يحمله من أعباء عظيمة للرسالة الخارجية ، فنجاحه في هذا الشأن وتأليفه لقلوب أزواجه بما يعزز إخلاصهن للرسالة مع اختلاف بيئاتهن وملابسات ثقافاتهن ودواعي العداوة للرسالة عند بعضهن في بداية عهدهن معه لهو أكبر دليل على كمال شأن الرسول ووفور رحمته التي لا تليق إلا برسول .    
د. محمد المبيض                            كتابه نبي الرحمة            حقوق الطبع محفوظة        


([1]) نقلاً عن موسى لا شين وغيره : دراسات في السيرة ( 24)  
([2])  انظر احمد عبد الوهاب : تعدد نساء الأنبياء ( 93) 

ليست هناك تعليقات: