محمد r داعية
الأخلاق و معزز الفضيلة .
كان محمد r بأخلاقه
السامية قدوة لكل من حوله للارتقاء في سلم الفضائل إلى أعلاه ، ولم يقتصر على ذلك
، بل كان حريصاً من خلال هديه على تعزيز التنافس في الفضيلة واجتناب الرذيلة ،
فيقول : « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ
أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا
الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ . » ([1])
«
مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ
الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ
الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ . » ([2])
«
أَنَا
زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ
مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ
الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي
أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ » ([3])
ونراه يقرن بين العقيدة والأخلاق على أساس
أنهما صنوان لا يفترقان : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . » ([4])
بل نرى النبي r لا يرى
للعبادة قيمة ما لم يتوج صاحبها بخلق حسن : « قَالَ
رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ
أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ
مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ
بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ . » ([5])
و نراه يعتبر المقصد
الأسمى لرسالته هو نشر الفضيلة وتتميم مكارم الأخلاق : « إنما بعثت
لأتمم - في رواية : صالح - مكارم
الأخلاق » ([6])
ومن الأخلاق الذي دعا إليها واجتهد على تعزيزها
بين المسلمين : بر الوالدين ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والأمانة والصدق والكرم
والإيثار والعدل والاعتدال ، والإخلاص والتواضع ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، و
التجاوز عن هفوات الآخرين ، والرضا بالقليل ، والقناعة بما قسم الله ، وكظم الغيظ
، والعفو ، وإحسان الظن ، ومقابلة الغير بالبشاشة ، والرحمة بخلق الله ، والإصلاح
بين العباد ، والوفاء بالعهد ، وإنجاز الوعد ، وتحرير النفس من ربقة الشهوات
ومراقبتها في الله ، واللين في القول ، والرفق في المعاملة ، ونصرة المظلوم وإجابة
الدعوة وإغاثة الملهوف ...
ومن الأخلاق الذميمة التي نهى عنها : الفسق
والعصيان والفحش في القول والعمل ، وغلظة القلب ، والبخل والشح ، والكبر والحقد
والحسد والرياء ، والسخط والغضب ، والفظاظة والوقاحة وقلة الحياء ، والكسل
والبطالة ، والعناد والمكابرة في الحق ، والنميمة والسخرية والغيبة والاستهزاء
بالغير أو استصغارهم ، واللعن واللمز والتعيير ، والطيش والخفة ، والطيرة والتشاؤم
والشماتة والتهور ، والكذب وشهادة الزور وإفشاء السر ن والتشاحن والبغضاء أو الاستطالة
على الأعراض ، والمن بالصدقة أو كفران النعمة ، و الخيانة والمكر والخديعة ، وبخس
الكيل والغصب والرشوة ... إلخ
ومن تتبع هدي النبي r يجد أنه قد أشبع التفصيل والاستقصاء في الأمر
بالفضيلة وإن صغرت أو النهي عن الرذيلة
وإن قل خطرها .
وتتميز الأخلاق في رسالة محمد r بأنها
مزجت بالإيمان وتعلقت به ، فلا إيمان بدون أخلاق ، ولا عبودية بدون فضيلة ، وهذا
أكسب الأخلاق إلزاماً تطبيقياً عند أتباع الرسالة ، بل كانوا يتنافسون في الارتقاء
في السلم الأخلاقي .
د. محمد المبيض كتابه نبي الرحمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق