السبت، 9 يونيو 2012

الداعية الأول للأخلاق والفضيلة ( محمد عليه السلام )


 محمد r داعية الأخلاق و معزز الفضيلة .
كان محمد r بأخلاقه السامية قدوة لكل من حوله للارتقاء في سلم الفضائل إلى أعلاه ، ولم يقتصر على ذلك ، بل كان حريصاً من خلال هديه على تعزيز التنافس في الفضيلة واجتناب الرذيلة ، فيقول : «   إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ  . قَالُوا  : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟  قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ . » ([1])   «   مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ . »  ([2])   «    أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا  ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ »  ([3])
ونراه يقرن بين العقيدة والأخلاق على أساس أنهما صنوان لا يفترقان : «    مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . »  ([4])
بل نرى النبي r لا يرى للعبادة قيمة ما لم يتوج صاحبها بخلق حسن : «    قَالَ رَجُلٌ :  يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا .  قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ . قَالَ :  يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ :  هِيَ فِي الْجَنَّةِ . » ([5])
و نراه يعتبر المقصد الأسمى لرسالته هو نشر الفضيلة وتتميم مكارم الأخلاق : «  إنما بعثت   لأتمم  - في رواية : صالح - مكارم الأخلاق »  ([6])
ومن الأخلاق الذي دعا إليها واجتهد على تعزيزها بين المسلمين : بر الوالدين ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والأمانة والصدق والكرم والإيثار والعدل والاعتدال ، والإخلاص والتواضع ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، و التجاوز عن هفوات الآخرين ، والرضا بالقليل ، والقناعة بما قسم الله ، وكظم الغيظ ، والعفو ، وإحسان الظن ، ومقابلة الغير بالبشاشة ، والرحمة بخلق الله ، والإصلاح بين العباد ، والوفاء بالعهد ، وإنجاز الوعد ، وتحرير النفس من ربقة الشهوات ومراقبتها في الله ، واللين في القول ، والرفق في المعاملة ، ونصرة المظلوم وإجابة الدعوة وإغاثة الملهوف ...
ومن الأخلاق الذميمة التي نهى عنها : الفسق والعصيان والفحش في القول والعمل ، وغلظة القلب ، والبخل والشح ، والكبر والحقد والحسد والرياء ، والسخط والغضب ، والفظاظة والوقاحة وقلة الحياء ، والكسل والبطالة ، والعناد والمكابرة في الحق ، والنميمة والسخرية والغيبة والاستهزاء بالغير أو استصغارهم ، واللعن واللمز والتعيير ، والطيش والخفة ، والطيرة والتشاؤم والشماتة والتهور ، والكذب وشهادة الزور وإفشاء السر ن والتشاحن والبغضاء أو الاستطالة على الأعراض ، والمن بالصدقة أو كفران النعمة ، و الخيانة والمكر والخديعة ، وبخس الكيل والغصب والرشوة  ... إلخ
ومن تتبع هدي النبي r  يجد أنه قد أشبع التفصيل والاستقصاء في الأمر بالفضيلة وإن صغرت  أو النهي عن الرذيلة وإن قل خطرها  .
وتتميز الأخلاق في رسالة محمد r بأنها مزجت بالإيمان وتعلقت به ، فلا إيمان بدون أخلاق ، ولا عبودية بدون فضيلة ، وهذا أكسب الأخلاق إلزاماً تطبيقياً عند أتباع الرسالة ، بل كانوا يتنافسون في الارتقاء في السلم الأخلاقي .
د. محمد المبيض                                كتابه نبي الرحمة 


([1]) أخرجه الترمذي برقم   2018 ، وقال : حديث حسن غريب [ السنن ( 4/370) ]
([2]) أخرجه الترمذي برقم 2002 ، وقال : حسن صحيح  [ السنن ( 4/362) ]
([3]) أخرجه أبو داود 4800 [ السنن ( 4/253) ]  ؛ قال الهيثمي : رواه الطبراني في ثلاثة ، وإسناده حسن [ مجمع الزوائد ( 1/157) ]
([4]) أخرجه البخاري برقم 5672 [ البخاري ( 5/2240) ]
([5]) أخرجه أحمد 9673 [ المسند ( 2/440) ] ؛ والحاكم برقم 7305 [ المستدرك ( 4/184) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات [ مجمع الزوائد ( 8/169) ]
([6]) أخرجه مالك برقم 1609 [ الموطأ ( 2/904) ]  ؛  وأحمد برقم 8939 [ المسند ( 2/381) ] ؛  والحاكم برقم 4221 ، وقال صحيح على شرط مسلم [ المستدرك ( 2/760) ] قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 9/15) ]  

ليست هناك تعليقات: