رسالة محمد r تتعامل بحساسية شديدة مع الأخلاق لعظمها وعلو منزلتها وخطورة
تغييبها.
وهذا واضح في عظمة العقوبة
على الفساد الخلقي وإن قل في نظر البعض ، من ذلك قول النبي r : « لَا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ
» ([1]) فالحديث صريح أن ذرة من الكبر كفيلة بحرمان
صاحبها من الجنة ، وهذا يبرز مدى حساسية الرسالة مع أي تدهور خلقي ، من ذلك قوله r : « دَبَّ
إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ
الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ . » ([2]) فالبغضاء لوحدها كفيلة بحرمان الإنسان من دينه
وتدينه أو بركة تدينه ، وهكذا نجد هذه الحساسية مع كثير من الأخلاقيات لدرجة
أن تمثل خلق سيئ واحد كفيل بحرمان صاحبه من خير عظيم .
ولم تقتصر هذه الحساسية مع
الرذائل والأخلاق الفاسدة ، بل الأخلاق الفاضلة يثيب الله على القليل منها ما لا
يثيب على غيره ، من ذلك قول النبي r : « بَيْنَمَا
كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ
بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ
فَغُفِرَ لَهَا بِه » ([3]) « بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ
غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَه »
([4])
فهذان موقفان بسيطان كانا موجبا للجنة لصاحبيهما ، وذلك لما تضمنه موقفيهما من
معاني أخلاقية سامية ، بل رحمة المرأة البغي بحيوان كانت سبباً في تجاوز الله I عن معصيتها العظيمة
ورحمتها .
وهذه الشواهد على مستوى
العقوبة والإثابة تبرز بوضوح عظيم منزلة الأخلاق في رسالة محمد r ؛ بحيث تجازي على القليل
منها ، ما لا تجازيه في غيرها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق