السبت، 9 يونيو 2012

لامارتين والنبي محمد عليه السلام ( إنها النبوة )


نظرة إجمالية إلى أيام النبي محمد r
كانت البعثة نقطة تحول هامة في حياة النبي r   ؛ حيث كان قبلها يعتني بصفاء نفسه وخلوصها من أوهام الجاهلية وأدرانها ، وارتقائها عبر التأمل في ملكوت الله سبحانه وتعالى   ؛ لذا نراه  قبل البعثة يعتزل المجتمع ويهرب إلى الجبال يتعبد فيها بين يدي الله .
 وببدء الرسالة تغيرت كل حياة النبي r  من الاعتزال إلى الانطلاق في كل شرائح المجتمع ، ومن الاهتمام بصفاء نفسه إلى حمل هم البشرية كلها والحرص على نجاتها والاعتناء بسموها الخلقي والروحي والإيماني ، ومن الفكر الخاص إلى الفكر الشمولي الذي أنيط به بحكم عالمية رسالته ؛ حيث قدر الله لصاحبها أن يكون السبب الأعظم لهداية البشرية ، يقول الله سبحانه وتعالى : }   وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ  { ([1]) .
فالآية السابقة تشير إلى أن النبي r   لم يبق ملكاً لنفسه ببدء البعثة  ، بل هو ملك للرسالة التي أنيطت به ؛  فهو الهبة الربانية لرحمة البشرية إلى قيام الساعة ، بل هو مهبط تلك الرحمة ، وهذا يقتضي تحول خطير في حياة النبي ، وهذا التغير أشارت إليه الآيات الأولى من سورة المزمل وسورة المدثر اللتين بينتا حال ليل النبي r ونهاره كما أراده له ربه ، فالليل قيام وتضرع بين يدي الله ، والنهار جهد متواصل وسبح طويل لدعوة البشر لدين ربهم ، واجتهاد في المصالحة بين الخلق والخالق برد البشرية إلى حظيرة التوحيد .
 كانت هذه الآيات – كما بينت سابقاً - إشعاراً بتحول كل حياة النبي r   لإنقاذ البشرية ولرعاية المحرومين ، ولنشر الهداية ولتزكية الأنفس وتحريرها من ربقة الجاهلية وأخلاقها إلى سماء التوحيد وأخلاقه ، وهكذا بدأت رحلة الحبيب نحو هدفه الأسمى مدة ثلاثة وعشرين عاماً عانى خلالها ألواناً من العذاب وأشكالاً متنوعة من المتاعب و الإيذاء ، لم يرق له جفن ولم يهدأ له بال ولم ينعم براحة ، بهمة عالية وهم متواصل وحزن دائم شعاره على مدارها : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وينتظر متى يؤمر ، وكيف أهدى وما زال في البشرية من أسباب الشقاء ما لم أدفعها ، وكيف تقر عيني وقد بقي أمام عيني من ستلفحه نار ربي .
هذه نظرة مجملة لحال صاحب الرسالة مع رسالته ، ولكي يتضح الأمر أرى أن أسلط الضوء على أيام النبي r   والتي تتشابه كلها في الجهد والهمة والعطاء إلى أن لقي الله سبحانه وتعالى ، يأتي الحسن والحسين فيسألا أباهما علياً عن جدهما محمد r   قائلين : « يا أبت كيف كان مدخل النبي r   ومخرجه ومجلسه . »  فأجاب الإمام علي t قائلاً :
أولاً : مدخل النبي r   أو دخوله .
  :  « .. كان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء  : جزء لله ، وجزء لأهله ، وجزء لنفسه ، ثم جزأ نفسه بينه وبين الناس ،  فيرد ذلك على العامة بالخاصة فلا يدخر عنهم شيئا ، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ،  ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم فيما يصلحهم ويلائمهم ، ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ، ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ، وأبلغوا في حاجة من لا يستطيع إبلاغها ، يثبت الله قدميه يوم القيامة ، لا يذكر عنده إلا ذاك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أذلة . »([2])    
هذا وصف الإمام علي t  للحبيب في مدخله لبيته وتقسيمه لوقته ، والإمام أخبر الناس بمحمد r   فهو رفيق عمره ، وأقرب الناس إليه ، وقد أجمل فأحسن في إجماله في وقت كانت فيه  القلوب حاضرة والعهد قريب  ، وتفصيل المجمل حال غفلة القلوب وبعد العهد يحسن في هذا المقام لذا أرى أن أفصل القول في المعاني السابقة :
 ليل الحبيب :
يبدؤه النبي r   بملاطفة أهله وقضاء حوائجهم ، ثم يقف بين يدي ربه قائماً وساجداً ومتأملاً ومناجياً ، ومن أدبه أنه كان يستأذن أهله للقيام بين يدي ربه رعاية لقلوبهن ، وكانت تستيقظ عائشة في عتمة الليل فتجد الحبيب قائماً لله حتى تتورم قدماه مناجياً له أو باكياً بين يديه فتخاطبه قائلة : «   لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟  قَالَ :  أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا  . » ([3])  يحيي الليل اثنا عشر ركعة لا تسأل عن طولهن وحسنهن ، ثم يوتر إما بركعة أو ثلاث أو خمسة أو سبعة أو تسعة ، ثم يختم ليله بركعتين وهو جالس ، وفي لياليه يفزع أحياناً عندما يعلم قرب حصول مكروه من خلال الوحي فينادي في إحدى لياليه قائلاً : لا إله إلا الله ! ويل للعرب من شر قد اقترب قد فتح من ردم يأجوج ومأجوج قدر هاتين ويحلق بأصبعيه الإبهام والتي يليها ، ومرة يستيقظ في بيت زوجه أم سلمة  قائلاً : «    سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ ،  أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ – يعني زوجاته - فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ . { ([4])وإذا نام الحبيب تنام عيناه ولا ينام قلبه (_ ) ، وكيف ينام قلب تعلق بالله سبحانه وتعالى .
 نهار الحبيب :
أما في نهاره فإن كان في بيته تراه إما في مهنة بيته يساعدهم في شأنهم أو يقوم بخدمة نفسه كأن يخصف نعله أو يرقع ثوبه ، ولا ينسى أن يلاطف أهل بيته أو يلاعبهم أو يرفه عنهم  ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : « كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ ، فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ  r    وَأَنَا أَنْظُرُ ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ  »  ([5])   ويحتمل منهن مراجعتهن أو غيرتهن فيما بينهن دون تعنيف بل يصبر ويحلم عليهن .
وإن خرج للناس قضى حوائجهم ، ولا يدخر جهداً في ذلك بل يرغب في قضائها  قائلاً : «   الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ،  مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً ،  فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ،  وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . » ([6])  وكان القدوة في قضاء الحوائج   عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «  إِنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ  r  فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ :  مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ  » ([7])    بل  كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ  r    فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي حَاجَتِهَا . ([8]
وهكذا يقضي يومه في حوائج المسلمين : إما يتبع جنازة أو يزور مريضاً ويدعو له ، وإما يقري ضيفاً ويدعوه لله ، وإما يجلس في تعليم أصحابه .
ثانياً : مخرج النبي ومعاشرته لأصحابه .
قال الحسن t  :  أخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟ فقال الإمام علي : « كان رسول الله  r     يخزن لسانه إلا مما ينفعهم ويؤلفهم ولا يفرقهم ،  أو قال ولا ينفرهم ، فيكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ، ويحترس منهم أن يطوي عن أحد سره ، ولا خلقه يتفقد أصحابه  ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبح ويوهنه ، معتدل مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس  خيارهم ، أفضلهم عنده أعظمهم نصيحة ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة . »
أما قول الإمام علي بأن النبي r كان يخزن لسانه إلا في الخير ، فهذا شعار النبي r في كل حياته ، بل كان يدعو لهذا الشعار ويعتبر وجوده دليلاً من دلائل الإيمان يقول النبي r  : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . »  ([9])  أما سعيه فيما ينفع ويؤلف فترشد إليه وصاياه المتعددة بحسب الحال ، يأتيه رجل يرى من دلائل حاله أنه سريع الغضب ، ويطلب من النبي r وصية تنفعه ، فيغتنم النبي r الفرصة ، قائلاً للرجل : لا تغضب ويرددها مراراً للرجل مع تكراره للطلب نفسه ، ويوصي آخر أراد السفر فيقول له : « أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ »  فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ  دعا له النبي r بقوله :  اللَّهُمَّ ازْوِ لَهُ الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ » ([10]) وفي موقف آخر يوصي أحد أتباعه بقوله : «     لَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا  ، وَلَا تَزْهَدْ فِي الْمَعْرُوفِ ، وَلَوْ مُنْبَسِطٌ وَجْهُكَ إِلَى أَخِيكَ وَأَنْتَ تُكَلِّمُهُ ،  وَأَفْرِغْ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي  ، وَاتَّزِرْ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ - وهكذا يوصيه بمكارم الأخلاق وينتفع هذا الرجل بتلك الوصية فيقول - : « مَا سَبَبْتُ بَعِيرًا وَلَا شَاةً مُنْذُ أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ r . » ([11])  وهكذا يقضي النبي r يومه في الخير ولا يتكلم إلا بما ينفع الناس ويؤلف القلوب .
أما عن إكرامه كريم كل قوم ، فهذا واضح في فعله ؛ حيث كان يستقبل أشراف القبائل وعظمائها ويكرمهم ،ويوليهم على أقوامهم ، ويعزز جوانب الخير عندهم ، بل يتألفهم بالعطايا كما حصل في غنائم حنين ، وكان إذا قدم عليه أحدهم يستقبله ببشاشة ، وأحياناً يرمي له رداءه ليجلس عليه ، وكان شعاره في ذلك : «   إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ . » ([12])
أما تحسينه للحسن وتعزيزه للخير ، فهو دأبه في كل موقف في حياته ، وعندما علم بتضحية صهيب t بماله لينجو بدينه في رحلة الهجرة استقبله النبي r بقوله : « ربح البيع أبا يحيى . » وعندما قدم أبو أيوب وزوجه طعام صبيتهم لضيفهم فشبع وباتوا طاوين ، قال له النبي r : لقد عجب الله بصنيعكما لضيفكما الليلة . » ومن ذلك أيضاً مدحه لخصال الأشج بن عبد القيس عندما قال له :« إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ » ([13])   أما تقبيحه للقبيح فمنه توبيخه لأبي ذر على تحقيره لغلامه ، وقال له : « إنك امرؤ فيك جاهلية . » ومنه أيضاً رده على خالد t عندما لعن الغامدية التي رجمت فقال له :«  لا تسبها يا خالد ، لقد تابت توبة لو وزعت على المدينة لكفتها »  ، ومنه توبيخه لأسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله ، وكان يردد له التوبيخ بقوله : أقتلته بعد أن قالها .
 ثالثا : مجلس النبي بين أصحابه  .
قال الحسن : فكيف كان مجلسه ؟  فقال الإمام علي t  : « كان رسول الله  r    لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه بنصيبهم ، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ،  من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المتصرف ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطة وخلقة فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثنى فلتاته متعادلين متواصين فيه بالتقوى متواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذوي الحاجة ويحفظون الغريب .
رابعاً : سيرة النبي r بين جلسائه .
قال قلت :  كيف كانت سيرته في جلسائه ؟
قال : « كان رسول الله  r   دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب ولا فاحش ، ولا عياب ولا مزاح ، يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يخيب فئة ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار ومما لا يعنيه ، وترك نفسه من ثلاث كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ولا يطلب عورته ، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده ، من تكلم أنصتوا له حتى يخلو حديثهم عنده  ، يضحك مما يضحكون منه ،  ويتعجب مما يتعجبون منه ،  ويصبر للغريب على الهفوة في منطقه ، ومسألته حتى إذا كان أصحابه ليستجلبوهم ويقول : إذا رأيتم طالب الحجة فأرشدوه ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه ،فيقطعه بنهي أو قيام .
خامساً : صمت النبي r .
قال قلت :  كيف كان سكوته  ؟  
قال : «  كان سكوت رسول الله   r   على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففي تسويته النظر واستماع بين الناس وأما تذكره أو قال تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يرضيه ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع أخذه بالحسنى ليقتدوا به وتركه القبيح لينتهوا عنه وإجهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام فيما يجمع لهم الدنيا والآخرة  » ([14])
هذا الأثر الطويل المروي عن الإمام علي t يفصل لنا كيف كانت حياة النبي r وكيف كان يغتنم الأوقات في خدمة رسالته التي أكرم بها ، وإنك لتلحظ في ثنايا العبارات السابقة أنك أمام رجل أفنى كل حياته وجل أوقاته في سبيل إصلاح البشرية والارتقاء بها ، والسير بها نحو بر النجاة ، وملتقى السعادة الدنيوية والأخروية .
وإنك لتعجب أمام الإنجازات التي حققها محمد r على مستوى البشرية كلها ، وتندهش أمام هذا التوازن العجيب الذي كان يتسم به صاحب الرسالة ؛ حيث ترى الكمال في كل جوانب حياته كزوج أو مرب ، أو قائد عسكري ، أو داعية ، أو حكيم ، أو مشرع ، أو زاهد
بل تجد نفسك تردد معي تلك الكلمات الخالدة التي سطرها الفيلسوف الفرنسي الكبير  لامارتين حين يقول : « لو أن عظمة الغاية ، وقلة الوسائل ، والنتائج المذهلة ، هي المقاييس الثلاثة لعبقرية الإنسان ، فمن الذي يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد ( r ) . ..
حكيم وخطيب ورسول و مشرع  ومحارب وهادم للأفكار الخاطئة ومحيي المعتقدات العقلانية ، ولعبادة بلا أصنام ، ولا صور ، مؤسس 20 إمبراطورية دنيوية ، وإمبراطورية واحدة روحية ، ذلك هو محمد ( r ) .
وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر ، يحق لنا أن نسأل : هل يوجد أي إنسان أعظم منه ؟؟؟؟ » ([15])          [  لا مارتين : تاريخ الأتراك  ص 276 -277 ] 
وأرى نفسي أردد كلمات العباس t لأبي سفيان : إنها النبوة  ...
د. محمد المبيض                                     كتابه                         نبي الرحمة 


([1])  الأنبياء : الآية 107
([2])  انظر الهيثمي : مجمع الزوائد ( 8/274) ؛ الكاندهلوي : حياة الصحابة ( 1/18)
([3]) أخرجه البخاري برقم 4837   
([4]) أخرجه البخاري في العلم برقم 115[ فتح الباري ( 1/253) ]
(_ )  أخبر بذلك الملائكة عندما رأوه نائماً   
([5]) أخرجه البخاري برقم 5190  
([6])  أخرجه مسلم 2580 البر والصلة
([7]) أخرجه البخاري برقم 1469  
([8])  أخرجه ابن ماجة برقم 4177
([9]) أخرجه البخاري برقم 5672 [ البخاري ( 5/2240) ]
([10]) أخرجه ابن خزيمة برقم 2561 [ صحيح ابن خزيمة ( 4/149) ] ؛ والحاكم برقم 1633 ، وقال : صحيح على شرط مسلم [ المستدرك ( 1/614) ]
([11]) أخرجه  أبو داود برقم 4084 [ السنن ( 4/56) ] ؛ و أحمد [ المسند ( 4/65) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد وفيه الحكم بن فضيل ، وثقه أبو داود وغيره وضعفه أبو زرعة ، وبقية رجال رجال الصحيح [ 8/72) ]
([12])  أخرجه ابن ماجة برقم 3712 [ السنن ( 2/1223 ) ] ؛ والطبراني برقم 5416 [ المعجم الأوسط ( 5/316) ] ، والحديث فيه ضعف يجبره كثرة شواهده .
([13]) أخرجه  مسلم برقم 17 [ صحيح مسلم ( 1/48) ]
([14])  انظر الهيثمي : مجمع الزوائد ( 8/274) ؛ الكاندهلوي : حياة الصحابة ( 1/18)
([15]) نقلاً عن ديدات : الرسول الأعظم ( 141 وما بعدها )  

ليست هناك تعليقات: