الجمعة، 11 مايو 2012

مساحة ثقافة السلام في الإسلام


مساحة ثقافة السلام في الإسلام
أحياناً يستغرب المسلم من تلك الدعاوى المغرضة التي تحاول أن تصف الإسلام وتعاليمه بأنها تعاليم عنف أو معززة له ، ومهيجة عليه في العالم ، بل بعض الدعاوي توحي بأن القرآن ونهج النبي وسيرته هو بمثابة مادة تحريضية على العنف ، وكأن الإسلام لا علاقة له بالسلم أو ثقافة السلام ، مع أن الحقيقة والواقع والتعاليم تثبت أن من أهم مميزات الإسلام هو تلك المساحة الواسعة لثقافة السلام فيه ، بل فكرة السلام تحتل المقام الرئيسي بين أهداف الإسلام العامة ، وأمكن توضيح تلك الأدبيات العامة التي تدل على تلك المساحة الواسعة للسلام في الإسلام في النقاط التالية .

أولاً : الله هو السلام ودينه مشتق من السلام وداره دار السلام .
يقول الله I : « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . » ([1]لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » ([2]) « وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » ([3]) « إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ » ([4]) « وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً » ([5])
هذه الآيات تبرز أن من أسماء الله السلام ، وأن جنته التي يدعو إليها هي دار السلام ، ودينه الذي ارتضاه مشتقة مادته من السلام ، وهو دين الإسلام ، وهذا التوجيه يبرز أن السلام هو شعار رسالي عام في دين الإسلام .
ثانياً : السلام تحية المسلمين ،وهو تحية أهل الجنة، والمسلم هو من يعزز السلام.
كان من جهود النبي r أن أبدل تحية الجاهلية بتحية خاصة بالمسلمين ، هذه التحية شعارها الأوحد هو السلام ، وإلقائها على المسلم يتضمن إعطاء الأمان والدعوة بالسلام والأمن لصاحبها ، والتحية وردها يتضمن السلام والمسالمة : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » « وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . » ويلحظ في التحية أنها قدمت السلام على الرحمة والبركة ، وفي هذا إشارة إلى أن السلام في أعلى سلم أولويات الرسالة ، وكذلك هذه التحية اختارها الله I لأهل الجنة ، يقول الله I : « وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ » ([6])  ، بل الجنة محرمة على العباد إلا إذا أشاعوا السلام وأفشوا معانيه بينهم ، يقول النبي r : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ  . » ([7]) وعندما عَرَّف النبي r المسلم قال : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ ويَدِهِ » ([8]) ، فالمسلم الحق هو ذلك الإنسان الذي يسلم الناس من شروره وموبقاته وعدائيته ، أما  الهدف الأسمى لرسالة الإسلام وكتابها المهيمن فهو في تيسير طرق السلام وسبلها والإرشاد لها ، يقول الله سبحانه وتعالى :  « قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ،يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ » ([9])

ثالثاً : نبي السلام في العهد القديم ورسول الرحمة العالمية في القرآن .
ثبت لدينا أن النبي محمد r كان بشارة الأنبياء قبله ، وقد جاء التصريح على لسان عيسى r أنه بشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، والذي يعنيني من هذه البشارات هي بشارة أرميا في العهد القديم ؛ أي في أسفار اليهود ، وهذه البشارة جاء التصريح فيها بأن النبي الموعود هو نبي السلام ، وفيها : « إن الأنبياء الذين كانوا قبلي وقبلك من القديم وتنبئوا على أراضي كثيرة وممالك عظيمة بالحرب والشر والوباء ، النبي الذي تنبأ بالسلام ، فعند حصول كلمة النبي عرف ذلك النبي أن الرب قد أرسله حقاً . » ([10])  وهذه البشارة وردت بلفظ أصرح في بعض النسخ وفيها النبي الذي يبشر بالإسلام . ([11]) وسواء كان نبي السلام أو نبي الإسلام ، فالمادة واحدة ومدلولها متقارب ، ولو وقفنا على النسخ المعتمدة حالياً ففيها بحسب سفر أرميا بشارة بنبي السلام ، والمتتبع لهدي النبي محمد r يجد أن تحقيق الأمن والسلام في عهده كان من أهم وعوده الرسالية ، والمتتبع لقراءات المستشرقين الموضوعية نجد فيها شهادة منصفة للنبي محمد r بأنه غير بوصلة البشرية من دائرة العنف والحروب إلى دائرة الأمن والسلام والعدالة والخير والفكر الحضاري ، وقد ذكرت بعضاً من هذه النصوص وسأذكر في نهاية الكتاب زمرة منها وكلها تشهد بشهادة الواقع أن محمد r كان بحق نبي السلام .
وفي رسالة الإسلام جاء توصيف النبي r باعتباره رسول الرحمة العالمية ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ  { ([12]) ومقتضى هذا التوصيف إشارة لشمولية فكر الرحمة لكل الخطوات العملية التي قام بها صاحب البعثة ، و كل تصرف يقع من النبي r   خلال رحلة النور التي بدأت بالبعثة وانتهت بالوفاة يندرج تحت هذا العنوان ؛ حيث أمكن ملاحظة هذا المعلم  في دعوة النبي r   وجهاده وتربيته وهديه ، ولا أجانب الصواب إن قلت أن البشرية لم تر تجسداً لصفة الرحمة في الفكر والمنهاج والسيرة والسلوك كما تجسد في شخص الرسول الأعظم محمد r   ، لذا استحق أن ينسب في الآية للرحمة نفسها لا أن يوصف بها فقط ، فهو ليس رحيماً فقط بل هو الرحمة بعينها ؛  بمعنى أنه لا يتصور حصول معاني الرحمة الحقيقية للبشرية إلا بهدي المصطفى ،، يقول  المؤرخ الإنجليزي وليم موير في كتابه حياة محمد  : « إن حياة محمد التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفه الله نفسه بألفاظ قليلة بين فيها صفة النبي حيث قال : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ  ) إن يتيم آمنة العظيم قد برهن بنفسه على أنه أعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى المساعدة . » ([13]). ومن هذا الوجه أشار النبي r لنفسه بقوله : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ !  إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ  »  ([14])  فالنبي محمد r هو هدية السماء لتوجيه البشرية كل البشرية إلى الخير والأمن والاستقرار بعيداً عن وسائل الشر ، ومن هذا الوجه كان النبي محمد r بحسب توصيف النبي آرميا نبي السلام ، ومن تتبع حياة الأنبياء الصغار في أسفار العهد القديم يجد أن التنبؤ بالحروب هو السمة البارزة ، ولم تأت هدية رحمة عالمية لكل البشرية إلا ببعثة محمد r . والرحمة والسلام متلازمان حيث يعتبر السلام من أهم ثمار الفكر الرحيم ، بل مادة الإسلام التي تعتبر رسالة محمد r هي مشتقة من مادة السلام في أصل اللغة مما يشير إلى التلازم الفكري بينهما .
رابعا : تحقيق السلام والأمن يعتبر في أعلى سلم الأولويات والحاجات في رسالة الإسلام .
يرشد إلى ذلك قوله تعالى : } الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ { ([15])    فالآية
جاءت من باب الامتنان على قريش بتوفير أعظم الحاجات لهم وكان أولويات الحاجات توفير حاجة الطعام بما يدفع عنهم حاجة الجوع التي تعتبر أهم وأمس الحاجات الإنسانية ، والحاجة الثانية في الأولوية كانت توفير الأمن بدفع حالة الخوف عنهم ، وهذا يشير صراحة إلى أن حاجة الأمن في الإسلام هي في أعلى سلم الأولويات وهذا يستلزم أن يكون معالجة السلم والأمن في أعلى سلم المعالجات الإسلامية ، وقد جاءت آيات أخرى للتأكيد على هذه المسلمة منها قوله تعالى : } وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ { ([16]) فالآية التي سيقت في مقام المثل بينت أن أهم الأولويات هو الأمن يأتي بعده التوسعة في الرزق ، وعلى مستوى الحاجات يأتي دفع الجوع ثم الخوف باعتبارهم في أعلى سلم الأولويات ، وهذا السياق الترتيبي للأولويات يبرز مدى أهمية السلام والأمن في رسالة الإسلام ؛ هذه الأهمية انعكست على طبيعة المعالجة الواسعة لهذا الجانب بما يكفل تحقيقه بأكمل صورة ، وسيتضح لنا في البند التالي أن تحقيق حاجة الأمن كان من أهم أهداف النبي محمد r ووعوده لأمته .        

خامساً : أهم أهداف نبي السلام ووعوده انصبت في تحقيق السلم والأمن .
بعث النبي r في مرحلة تعتبر الأكثر زعزعة على مدار التاريخ ، حرم فيها الناس خاصة في جزيرة العرب من نعمة الأمن ، و لم ينعم بها على وجه الخصوص إلا أهل مكة بحكم مجاورتهم للبيت الحرام ، أما باقي الجزيرة العربية فقد ساد فيها ثقافة السلب والنهب والاقتتال لأتفه الأسباب حتى أفنت الحروب المتوالية أكثر رجالهم ([17]) ، وكانت قبائل بأكملها تمتهن مهنة السلب والنهب وقطع الطريق كبعض قبائل طيء وغيرها ،  أضيف إلى ذلك انتشار جرائم القتل المتنوعة في داخل المجتمع ، بل الفاقة والفقر كانا كفيلين بحرمان كثير من الأطفال من حياتهم في بدايتها وعلى يد أقرب الناس إليهم ، ولم يسلم المجتمع في ليله من كثير من حالات الاغتيال والغدر ، وكان لغياب الأمن أثره على العربي الذي لم يكن ينام الليل ؛ حيث يبقى على أعلى درجات الاستنفار ، ويجد نفسه دائماً بين خيارين : إما يجهز نفسه للإغارة على الغير وسلبهم ، وإما يتحين وقوع الغارة عليه من الغير .
في ظل هذا الواقع المرير بدأ النبي r رسالته ، وجعل من أسمى الغايات التي يبشر بها ويحرص على تحقيقها : توفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ورعاية السلم الأهلي في ظل هذا المجتمع الغابي ؛ لذا بدأ رسالته بوعود متكررة تدل على أن هذه الغاية ستتحقق في المجتمع بأكمل وجه ، وتصدر منه هذه الوعود  وهو لا يستطيع أن يحقق لنفسه ولا لأقرب الناس إليه الأمن من غيلة قريش وغدراتهم ، يأتيه خباب t  وهو متوسد بردة في حجر الكعبة مع غيره من المعذبين يشكون له ما أصابهم قائلين له :  « أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ! أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ! فقَالَ لهم النبي r  : كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ  فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » ([18]
هذه الكلمات خرجت من فم النبي r في أحرج الظروف من الناحية الأمنية ، وقد تضمنت وعداً وبشارة بتحقيق الأمن للمجتمع بأسره  حتى أقصى جنوب الجزيرة ، ويقطع  الراكب مسافات شاسعة  آمناً لا يخاف على نفسه ولا على غنمه إلا من قدر السماء وعوادي الوحوش،أما من جهة أخيه الإنسان فسيبلغ الأمن من جهته مداه .
وكان وعد النبي r وبشارته بتحقيق الأمن المجتمعي والاقتصادي  أمراً لا تتصوره العقول خاصة في ظل الواقع المعقد الذي وصل إليه العرب ، وتلك الثقافة المميتة التي تشربتها عقولهم ،  عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ t قَالَ : «  بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ  r  إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ  : يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ  ؟ قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ : فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّه . َ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ ؟
وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى .  قُلْتُ . كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ !! قَالَ :  كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ .
وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ...    
 قَالَ عَدِيٌّ :فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ  r  يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ . » ([19]
هذه وعود صدرت من النبي r في لحظة كان يتصور سامعه استحالة وقوعها أو بعده ، وعندما أشار النبي r إلى أن المرأة ستخرج لوحدها آمنة مطمئنة من ناحية العراق تجوب كبد الجزيرة العربية إلى أن تصل الحجاز ، تعجب عدي t ، وقال في نفسه مستبعداً مرحلة حصول هذه البشارة لما يرى من الصعوبات والعقبات التي تحول دون وقوعها لعل أهمها تلك القبائل التي تشتهر بالسلب وقطع الطريق بحيث تخافها القوافل المسلحة فكيف بامرأة مجردة عن كل وسائل الدفاع ؛ لذا قال في نفسه  : فأين صعاليك طيء أو قطاع الطرق فيها الذين دمروا البلاد نهباً وسلباً ، ماذا سيكون حالهم في تلك المرحلة ؟ وعندما وعد بالنصر على كسرى زاد عجبه ، وعندما وعد النبي r بتحقيق الأمن الاقتصادي ؛ بحيث يشمل كل فرد في المجتمع ، بل يزيد المال عن حاجتهم زاد الأمر غرابة في نفسه ... وما هي إلا سنوات قلائل حتى عاين عدي بنفسه أن الأمن المجتمعي قد بلغ مداه كما قال النبي r وكان أحد الفاتحين لكنوز كسرى ، أما بلوغ  الأمن الاقتصادي مداه فهذا حصل مع انخرام القرن الأول في عهد عمر بن عبد العزيز الذي كان يطوف بالصدقة فلا يجد من يقبلها .
فهذا التغير السريع وغير المتصور على مستوى الأمن والرخاء ليشير صراحة إلى عظمة الجهد الذي قام به النبي r وتلك الحكمة المتناهية التي رزقها ؛ بحيث قام بما عجزت عن جزء منه  منظمات دولية بكل إمكانياتها الضخمة  .... إنها ثقافة سلام عملية بسيطة في محتواها ، عظيمة في إنجازاتها ، واقعية في أطروحاتها ، منسجمة مع فطرة الإنسان ، إيجابية في تعاطيها مع الأزمات ، ربانية في قدسيتها ، عميقة ومتكاملة في معالجاتها ، بعيدة كل البعد عن الشعارات والقوانين التي تصطدم مع الواقع ، فترتد إلى السطور وتكون عبئاً عليها بحيث لا تستحق ثمن الحبر الذي سُودت بها تلك السطور .. إنها ثقافة نبي السلام .
كذلك هذه النتيجة المذهلة على مستوى الأمن والرخاء  لتدل صراحة على أن تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي كان جزء من غايات النبي السامية التي يحرص عليها ؛ لذا عندما نصفه بأنه  رسول الأمن والسلام في الأرض لا نجانب الصواب بل هو الأولى بهذا اللقب على مستوى البشرية كلها ، وما زالت تعاليمه هي الأقوى والأنجع في تحقيق الأمن والسلم العالميين .  

سادساً  : ثقافة السلام و العبادة .
يتضح ذلك في كثير من أشكال العبادة من ذلك الصلاة ؛ حيث يلقي المسلم على نبيه التحية فيقول : « السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . » ثم يلقي تحيته لنفسه ولإخوانه بقوله : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . » ولا تختتم الصلاة إلا بالتسليم بأن يتجه المصلي بوجهه ناحية اليمين ويقول السلام عليكم ، وناحية اليسار يقول أيضاً السلام عليكم ، وكأنه مطالب أن يبدأ الدنيا من كل نواحيها وأهلها بالسلام بعد أن فارقها لمناجاة ربه .
ومن الأدعية الثابتة عن النبي r بعد الصلاة يومياً ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، والدعاء هو العبادة أو روحها ، فالصلاة في وسطها السلام وتختم بالسلام ويدعو المسلم بعدها بالسلام .
أما الصوم فله متعلق بثقافة السلام ؛ لذا يبدأه النبي بالابتهال بتحقيق السلام من خلاله ، عن طلحة بن عبيدِ اللهِ  t  أنَّ النبيَّ  r  كَانَ إِذَا رَأى الهلاَلَ ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ وَالإيمانِ ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإسْلاَمِ . » ([20])
كذلك الحج يعتبر مدرسة عملية تهدف إلى تعزيز ثقافة السلام ؛ حيث ارتبط بالحرم المكي الذي أحد أبوابه باب السلام ، وخلال الإحرام لا يجوز للمُحرم أن يقتل صيداً أو  حيواناً  ولا يقطع شجرة أو يؤذي أحداً بيده ولسانه حتى لو وجد قاتل أبيه وجهاً لوجه لا يستطيع أن يمسه بشيء ، فهو بهذا الإحرام قد أصبح سلماً لنفسه ولغيره من إنسان أو حيوان أو نبات .

سابعاً : الإسلام وإقرار السلام دون قيد أو شرط .
المعلوم أن رسالة الإسلام ودولته قد نشأت في ظل مجتمع وثني لا يعرف ولا يحتكم إلا إلى منطق القوة ؛ لذا جاء الأمر الرباني بإعداد جيش قوي يحقق التوازن الكفيل بتعزيز السلم العام ، يقول الله I : « وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ، وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ،  وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ » ([21])
فهذه الآيات تبرز أن أهم أهداف إعداد جيش قوي هو توجيه القوى الأخرى نحو الجنوح للسلم مع المسلمين ، ويأتي الأمر الرباني بمطالبة النبي r لاحترام أي بادرة نحو السلام من الأعداء والاستجابة لها حتى لو لم يكن هذا العدو مخلصاً في توجهاته نحو السلام أو يقصد بها كسب الوقت استعداداً لحرب أخرى ، أو يريد أن يخدع المسلمين مبيتاً الغدر بهم أو إلحاق الضرر بمصالحهم « وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ »  ، ومع كل هذه التوجسات إلا أن الإسلام يحتم النزول عند رغبات العدو السلمية . ([22])
وقد تميز الإسلام بهذه العقلية التي تجيز الموافقة على إقرار السلام فوراً دون قيد أو شرط بمجرد إقدام العدو على طلب إقراره مهما تكن الظروف والأحوال ، وهذا مبدأ سامي تميز به المسلمون عن غيرهم ، وتفعيل هذا المبدأ إنما يكون عند توفر نوع من التوازن في القوى . ([23])

ثامناً  : السلم والحرب في أدبيات الرسالة .

من تتبع آيات القرآن يجد أن مادة « سلم » ومشتقاتها قد وردت فيما يزيد على 133 مرة
بينما لفظة حرب لم ترد في القرآن الكريم إلا في ست آيات ، وهذا يبرز المساحة الواسعة لثقافة السلام في رسالة محمد r .
خلاصة

هذه بعض العناصر والأدبيات المباشرة التي تدل على مساحة ثقافة السلام في رسالة محمد r ، وهي تبرز بوضوح أن السلام هدف رسالي ومبدأ أساسي تسعى الرسالة إلى تحقيقه على مستوى السلم الأهلي والخارجي ؛ وتتميز رسالة محمد r بمنظومة قيم واسعة ونهج دعوي رحيم ومتسامح وأدبيات متنوعة تتفاعل مع بعضها لخلق ثقافة سلام على مستوى الذات ( الفرد ) والأسرة والمجتمع المحلي والمجتمع العالمي والإنسانية جمعاء ، وهذا ما سيتضح لنا خلال العرض التأصيلي والتفصيلي في الفصول اللاحقة .  


([1]) الحشر : الآية 47
([2]) الأنعام : الآية 127
([3]) يونس : الآية 25
([4]) آل عمران : من  الآية 19
([5]) المائدة : من الآية 3
([6]) يونس : من الآية 10
([7]) أخرجه الترمذي برقم 2510   ( 4/644) ؛  قـال الهيثمي: رواه البـزار ، وإسناده جيد [ مجمع الزوائد ( 8/30) ]
([8]) أخرجه البخاري برقم 6484 ( 8/102 )
([9]) المائدة : 15-16
([10])  سفر أرميا : الإصحاح الثامن والعشرون ( 6-7) 
([11]) انظر داود : محمد كما ورد في كتاب اليهود والنصارى ( 75) ؛   
([12])  الأنبياء : الآية 107
([13])نقلاً عن عبد الوهاب : محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ( 45)   
([14])  أخرجه الدارمي برقم 15 [ مسند الدارمي ( 1/21) ] ؛ والحاكم برقم 100، وقال صحيح على شرط الشيخين [ المستدرك ( 1/91) ]
([15]) قريش : الآية 4
([16]) النحل : الآية 112  
([17]) انظر مبحث السلم والحرب في المبحث التمهيدي ففيه تفصيل لطبيعة الثقافة التي تميزت بها جزيرة العرب قبل الإسلام .   
([18]) أخرجه البخاري برقم  3612 ( 4/201)
([19]) أخرجه البخاري برقم  3595 ( 4/197)
([20]) أخرجه الترمذي برقم 3451 ، وقال : حسن غريب ( 5/504)
([21]) الأنفال : الآيات 60-62
([22]) انظر ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ( 4/84) ؛ ابن عاشور : التحرير والتنوير ( 10/59 وما بعدها )
([23]) انظر : خطاب : الرسول القائد (14) 

مقدمة كتاب ثقافة السلام عند رسول الإسلام


صورة غلاف كتاب ثقافة السلام عند رسول الإسلام 




اللهمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. ([1])  
 هذه دعوات اختارها رسول الإسلام ليرددها يومياً دبر كل صلاة خمس مرات ، أنها دعوات تؤكد على أهمية السلام وحضوره في ذهن النبي r  يومياً ، وتعكس همه في ضرورة بث السلام وتعزيزه في الأرض .. كل الأرض ، لذا لا عجب في اشتقاق اسم الرسالة من السلام ، كذلك اسم أتباع الرسالة هم المسلمون ، وعندما عرف النبي r المسلم قال : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ » ([2]) ، بل الهدف الأسمى لرسالة الإسلام هو في تيسير طرق السلام وسبلها والإرشاد لها ، بقول الله سبحانه وتعالى :  « قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ،يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ » ([3])

هذه مدرسة النبوة ، وهذه هي الأرضية الفكرية والحاضنة الروحية التي انطلقت منها ، ومن تتبع مرحلة النبوة ورحلة النور خلال ثلاثة وعشرين عاماً يجد أن رعاية السلم الأهلي والخارجي وتعزيز ثقافة السلام كان من أهم الجهود التي ركز عليها رسول الإسلام ، بما يمكن القول أنه الأليق بوصف نبي السلام .   
وبالرغم من تلك المساحة الواسعة لثقافة السلام ، وتلك الشعارات الصادقة التي ترشد إلى حيوية السلم والمسالمة في رسالة محمد r   إلا أننا نجد أن سهام المغرضين في عصرنا قد نالت منه ، بل اعتبرته من أكثر المعززين لثقافة العنف ونظرت إلى أفكاره وتعاليمه على أنها تحتوي على مادة تحريضية تهيج للعنف ، وهذا يتضح من الرسومات التي تصور النبي محمد r أنه رجل دموي ، و تعاليمه- بزعمهم -  هي التي يستمد من خلالها الإرهابيون أو الدمويون أفكارهم ؛ إضافة إلى تلك الحملة القديمة الحديثة ، من مستشرقين وغيرهم والتي تصور النبي محمد r بأنه يتميز بالقسوة ، وينشر تعاليمه بسطوة السيف فهو نبي القتال ونبي الملحمة ونبي السيف ، وأحياناً لا يتورع أصحاب تلك الطعون – قبحهم الله - بوصف النبي r بأقبح الأوصاف التي لا تليق بالإنسانية ، فكيف بنبي الرحمة العالمية وخير قدم وطأت الأرض وأكمل مثال بشري عرفته البشرية ، وأعظم مصلح في الوجود الإنساني ، وخدمته للإنسانية كانت الأرقى والأكمل ، وذلك باعتراف المنصفين من مخالفيه
فبالرغم من هذه الحقيقة الناصعة ، وتلك الأيادي البيضاء التي نثرها محمد r في ربوع الإنسانية ؛ إلا أن الأقلام المسمومة ما زالت تبث حبرها المسموم ، وما زالت الدعاية المغرضة في أوجها للنيل من رسول الإسلام .
لذا كان هذا البحث الموسوم باسم : « ثقافة السلام عند رسول الإسلام » وفيه أتناول بالتفصيل لمعالم هذه الثقافة عند النبي r في العهدين المكي والمدني مبرزاً أهم القيم المعززة لتلك الثقافة في رسالة الإسلام .
ثانياً : ثقافة العنف وثقافة السلام .
مصطلح ثقافة السلام مصطلح حديث ، ولعل فضائع الحرب العالمية الثانية التي لا تمت للإنسانية بصلة كانت وراء اعتباره مع غيره من المصطلحات كأخلاقيات الحرب والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهذه المصطلحات وما يدور في فلكها من منظمات عالمية كانت من صنيعة الغرب بادي ذي بدء ،  ومن إلحاح الواقع المرير الذي وصلت إليه الإنسانية ، ثم اصطبغت بصبغة عالمية ، وكان لثقافة السلام حظها من هذه الصبغة العالمية من خلال برامج الأمم المتحدة واليونسكو وغيرها من المنظمات العالمية .
ولم يخلُ التجسيد الحيوي لهذه المصطلحات خاصة ثقافة السلام من ازدواجية المعايير من جهة ، ومن جهة أخرى استخدامها كوسيلة من وسائل هيمنة الكبار على مستوى المنظومة الدولية ، وذلك من خلال تسييس المفاهيم الإنسانية ، وإخضاعها لمبدأ رعاية المصالح للدول العظمى ، لدا وجدنا التوظيف السلبي لهذا المفهوم الإنساني من خلال توجيه أصابع الاتهام للشرق والعرب باعتبارهم المتهم الأكبر حظاً على مستوى تهديد ثقافة السلام والاستقرار العالمي ، وكأنهم منبع العنف وثقافته على مستوى الكرة الأرضية ؛ لذا هم الأحوج وفق نظرة الكبار المهيمنة على الفكر العالمي إلى ثقافة السلام ، هذه الثقافة التي تحتاج تغييراً في الفكر العربي والمسلم على مستوى الأصول والجذور والقيم والنهج الديني .
ولست بصدد جلد الذات تحت وطأة تلك الاتهامات الصارخة العارية عن الحقيقة ، لكن ما أود الإشارة إليه هنا أن ثقافة السلام من حيث العنوان هي شعار حيوي إنساني يجب تعزيزه والبناء عليه ، وهناك جهود طيبة على مستوى بعض المفكرين الغربيين والمؤسسات الإنسانية وغيرهم من أجل توطيد هذه الثقافة للقيام بدورها الإيجابي على مستوى الإنسانية ([4])  .
أما ثقافة السلام من حيث الحيوية والتطبيق والتجسيد على أرض الواقع ، بل من حيث
الدعوة الصادقة إليها ، فهي ما زالت بعيدة المنال خاصة بعد سرقة هذا الشعار الإنساني لحساب مصالح القوى الغربية العظمى  ؛ إذ أصبح هذا الشعار من الناحية الواقعية وسيلة من وسائل هيمنة الكبار أو الفكر الغربي على المجتمعات العربية والإسلامية شانه شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهذا واضح من ازدواجية المعايير حيث يتم التركيز على بعض المواقف في المجتمع العربي والإسلامي باعتباره منافياً لثقافة السلام ، ويغض الطرف عن مواقف تعتبر من صميم ثقافة العنف والتي تصدر من المجتمع الغربي .
كذلك الدعوة لثقافة السلام ضمن الهيمنة الغربية أصبحت  تتركز على حرب العقول والأفكار أكثر من تركيزها على السعي نحو السلام العالمي ، ووفق هذه الثقافة تصبح مقاومة المحتل الغاصب للأرض والقاتل والمشرد لأهلها جزءً من ثقافة العنف ومعلماً من معالمها ، وبالمقابل ثقافة السلام تعني التنمية والاقتصاد للشعوب المحتلة مقابل الهوية والأرض والكرامة ، وأبرز مثال على ذلك فلسطين .
أيضاً تحولت ثقافة السلام وفق مفهوم  الهيمنة إلى تكريس الهيمنة والعدوان تحت حجة بناء السلام ، أو ذريعة للتدخلات الخارجية في الشأن العربي والإسلامي من خلال استغلال بعض عوامل التناقض داخله ، إضافة إلى أن ثقافة السلام  أصبحت ذريعة للأنظمة المستبدة لمواجهة قوى المعارضة   في داخل المجتمع العربي.
إذا ثقافة السلام شعار حق يتخذ وسيلة لأوجه كثيرة من الباطل ، أو ذريعة لتكريس الهيمنة والتدخل الخارجي في الدول العربية والإسلامية والتطبيع المبني على هضم الحقوق ، وهي من هذا الوجه خرجت من ثوبها الإيجابي الإنساني إلى ثوب مدعاة للريبة والشك خاصة في نظر كثير من المفكرين العرب والمسلمين .
أما القول بأن ثقافة العنف في العالم منبعها المجتمع العربي و الإسلامي ، فهذه أيضاً فرية عارية عن الصواب ، ودلالة الواقع وشهادة الحق تنافيها ، و إلا  هل كان المجتمع العربي وراء أضخم حربين في الأرض ارتكبت فيها كل أشكال العنف وأبيدت فيها الملايين  ؟ أم هم وراء كثير من الحروب التي ارتكبت بعدها ؟ أم هم وراء كثير من الحروب التي  صُدرت إليهم من الخارج وكانت في قعر دارهم ؟ كالحروب الإسرائيلية ، وحروب العراق وأفغانستان والتي ارتُكبت فيها مجازر عنيفة في حق العرب والمسلمين ؟ أم هم وراء كثير من الحروب الأهلية التي وقعت في الدول العربية ، والتقارير المتعددة تشير أن تأجيجها وافتعالها وتمويلها كان بأصابع خارجية ؟
بل الحقيقة تقول أن أكثر الشعوب التي مورس في حقها ثقافة العنف هي الشعوب العربية ، وإحصائيات القتلى والجرحى تشير إلى أن الحظ الأكبر منها كان من نصيب العرب والمسلمين.
 أما تسجيل رد الفعل المقاوم للتدخلات السافرة للغرب في الدول العربية وما أعقبه من نتائج دموية باعتباره معياراً لثقافة العنف وعنواناً ؛ فهذا معيار وهمي لا يصدق في توصيف ثقافة العنف في داخل المجتمع العربي والإسلامي .
 كذلك تعميم بعض المواقف المتطرفة التي تقوم بها بعض الشرائح الراديكالية المتشددة   واعتبارها معياراً للحكم على ثقافة المجتمع العربي وأرضيته الفكرية والنظر إليها  على أنها تمثل الشريان المغذي لمثل هذه التصرفات ، أيضاً هذا الحكم خالٍ من الموضوعية ؛ لأن هذه الشرائح بمجموعها لا تمثل أي نسبة من مجموع المجتمع العربي  ؛ لذا تأخذ حكم الشاذ الذي تلقى ثقافة خاصة به ، والشاذ لا يصلح لتعميم الحكم به واعتباره معياراً أمكن من خلاله بيان طبيعة ثقافة مجتمع ما .
أما  على مستوى السلم الأهلي ، فبالرغم من أن الشعوب العربية ما زالت تحت وطأة التخلف ، إلا أنها في السلم الاجتماعي والأهلي كانت الأوفر حظاً من الغرب ، وهذا واضح من كثير من الإحصائيات التي تكشف  مستوى الجريمة وما ينجم عنها من قتل وعنف  في المجتمعات الغربية ([5]) ، والتي أصبح المرء في كثير من أحياء المدن الكبرى لا يأمن على نفسه ولا على بيته ، بل الغرب نال الحظ الأكبر من حجم عصابات الجريمة المنظمة حتى أصبحت في نظر المفكرين الغربيين تمثل سلطة سادسة حاكمة في المجتمع وبلغت حد التأثير والتنافس مع السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية  . ([6]) كذلك على مستوى الإعلام فالذي يصدر ثقافة العنف هو الغرب من خلال ملايين الأفلام التي تمجد الجريمة وأهلها الأبطال وتتفنن فيها ، وتتوسع في أشكالها ، إضافة إلى كثير من برامج الكمبيوتر التي تعزز معاني العنف ، فهذه الأمور بمجموعها كان أثرها واضحاً في الناشئة في الغرب ؛ حيث انتشر العنف بينهم بشكل مخيف تستحيل معه الحياة الكريمة ، وهذا باعتراف عقلاء الغرب ، بل دقوا ناقوس الخطر في هذا الجانب على أعلى المستويات .  ([7])
إذا القول أن منبع العنف وثقافته الشرق الإسلامي هو مجرد تهويل يهدف إلى تمرير سياسات معينة ، وترويض المجتمعات إلى سلوكيات تخرجهم من ثوبهم الشرقي نحو ثوب هجين يفتقد أصحابه الهوية والاستقلالية والشخصية ، والقدرة على الانطلاق التنموي ، إنها دعاية من باب « رمتني بدائها وانسلت » .
طبعاً ما ذكرته لا يخلي المجتمعات العربية والإسلامية من المسئولية اتجاه ثقافة العنف ، بل هي موجودة لكنها ليست بهذا الحجم الذي يهول له الغرب ، لكنها موجودة سواء على مستوى الحدة في التعاملات والميل إلى حل مشاكلنا بالسبل غير السلمية ، وهذا موجود في دائرة الفكر اللاشعوري للعربي ، أو على مستوى بعض التصرفات المتطرفة التي تقوم بها شرائح في المجتمع العربي كرد فعل لعوامل متعددة ، بل بعض هذه  التصرفات  تتخذ شكلاً همجياً لا يليق بإنسانية الإنسان فضلاً عن المسلم ، أو على مستوى الإرهاب الفكري التي تمارسه بعض الجماعات لتحقيق مصالح خاصة بها .
وهذه التصرفات موجودة لكنها تمثل شريحة شاذة في المجتمع العربي ولها شبيه في كل المجتمعات فالتطرف موجود عند العرب وعند اليهود وعند بعض المدارس الفكرية الإنجيلية ، و عند غيرهم .
أما وجوده عند العرب فليس مرده إلى الدين أو رسالة الإسلام ،  لكن  قد يكون من أهم أسبابه هو سوء الفهم والتوظيف  لتعاليم الرسالة ، والتعامل مع بعض النصوص بطريقة جزئية يتم من خلالها إطلاق التعميمات الفكرية دون الانتباه إلى الحاضنة الفكرية الدينية لهذه النصوص .
هذه مجمل النظرة العامة لثقافة السلام المعاصرة ، وآلية توظيفها بطريقة سلبية في نظر كثير من المفكرين العرب ؛ وهذا لا ينقص من حيوية هذا المصطلح وضرورة استثماره ليؤدي دوره الإنساني الإيجابي نحو تعزيز التعايش والتضامن الدولي والحوار البناء على مستوى الحضارة الإنسانية ، وضرورة مشاركة الجهود الإنسانية الصادقة في تجسيده في أرض الواقع .  
ثالثاً : أهمية البحث .
لعل الفقرة السابقة قد أسست لدواعي هذا البحث وأهميته والتي يمكن إجمالها في النقاط التالية :
1-    هذا البحث يفند كل الاتهامات التي ألصقت بنبي الإنسانية باعتباره داعية عنف ، ويتضح من خلاله معالم ثقافة السلام عند النبي محمد r ، والتي تعتبر مادة أساسية لكل من يؤسس لثقافة السلام الإنساني ، واقتضي تحقيق هذا الهدف تنويع الأمثلة وشمولية المواضيع لكل عناصر ثقافة السلام في العهد النبوي ، إضافة إلى الجانب التأصيلي الذي تميزت به ثقافة السلام في رسالة الإسلام .
2-   البحث  يبرز المظهر الحضاري لرسالة الإسلام ، وهو بذلك يمثل نواة للفكر الإنساني في هذا المجال ، ويلاحق القصور الفكري الذي وقعت فيه النظريات الغربية في فهمها للسلام وثقافته ، وبالتالي يمثل هذا الكتاب مادة حيوية للتلاقح الفكري بين الحضارات ، خاصة أن الثقافة الغربية تعيش أزمة حقيقية على مستوى السلم الأهلي في مجتمعاتها ، وذلك باعتراف أكابر منظريها ومفكريها .
3-   انطلق البحث بعد ملاحقة لكثير من أوراق المؤتمرات والندوات التي تعالج مسألة العنف والإرهاب والتطرف في المجتمعات العربية ، وهو من هذه الناحية يمثل مرجعية فكرية تتسم بالأصالة لانطلاقها من جذور الفكر الإسلامي ( الرسول r ) وتتسم بالمعاصرة لما تتضمنه من معالجات فكرية لأهم مشاكل الأمة العربية والإسلامية .
4-    انطلاق ثقافة السلام من خلال رسول الإسلام له أهداف متعددة منها : أن العهد النبوي يمثل أنصع صفحة في التاريخ الإسلامي بل الإنساني ، والانطلاق من خلاله يلقى مصداقية تحقق أوفر نسبة للتوافق بين مجموع الفكر الإسلامي المعاصر ، كذلك توجيه الفكر ولفت الانتباه نحو طريقة معالجات النبي r لمشاكل أمته وعلاقته بالأمم الأخرى يعتبر فرصة حيوية غير مباشرة في ترشيد الفكر المعاصر .
5-   هذا الكتاب يمثل فناً جديداً للسيرة ، وهو السيرة التحليلية الموضوعية ، ويقصد بذلك اختيار موضوع معين ، وملاحقة عناصره وتحليلها خلال السيرة النبوية ، وهذا المنهج يعطي حيوية للسيرة النبوية في معالجتها لمشاكلنا المعاصرة، وقد آثرت في بحثي – كما سيتضح – المزج بين فنون متعددة كالدراسات الاجتماعية والنفسية والإنسانية والروحية والعلاقات الدولية والقانون الدولي والإنساني ، و دراسات علم نفس الإجرام ، والدراسات الإستشراقية ، وفلسفة التربية ، والدراسات الخلقية والتاريخية والأدبية ، وقد حاولت المزج بين هذه الفنون بطريقة حيوية بسيطة تكفل الوحدة العضوية والموضوعية ، وتضمن معالجات عدة لأهم القضايا التي يعاني منها المجتمع العربي والغربي  .
6-   البحث يبرز الحاضنة الفكرية لرسالة محمد r ، ومدى مساحة ثقافة السلام فيها ، سواء على مستوى الوسائل والخطوات أو على مستوى الروافد والقيم ، أو على مستوى السيرة والخطوات العملية ، وتجلية هذا الجانب وإبرازه له الأثر في توجيه السلوك في المجتمعات الإسلامية ، خاصة في الشرائح التي تسعى لتطبيق تعاليم الإسلام وتحرص عليها ، فبعض هذه الشرائح قد تعاملت بطريقة جزئية مع بعض النصوص الداعية للقتال والمواجهة دون النظر للأصول الرسالية التي تنتمي إليها ، وهذه النظرة الجزئية أكسبت البعض نوعاً من التطرف الذي ترتب عليه الإساءة لرسالة الإسلام وصاحبها من حيث لا يعلمون  ، لذا وضوح هذا الجانب والتأكيد عليه يعيد الأمور إلى نصابها بما يوجه السلوك في المجتمعات العربية نحو الوسطية والاعتدال .
7-   التوظيف السيئ لثقافة السلام من خلال مراكز الهيمنة العالمية جعل أكثر الكتاب العرب ينظرون بريبة للفكرة ، ويتعاملون معها بردة فعل وتغيب جهودهم في ملاحقة دواعيها دون أن تحفزهم نحو استثمار الفكرة وملاحقة أصولها في الفكر الإسلامي ، وهذا قد يوحي للبعض أن المفكرين العرب يرفضون أصل الفكرة ، وموقف الكتاب والمفكرين العرب له دواعيه القوية كما بينت سابقاً ، لكن يجب الفصل بين أصل الفكرة والتوظيف السلبي لها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى  ، يمكن اعتبار الفكرة حافزاً لنا للانطلاق نحو التأصيل الفكري لها ، وإذا كان الغرب قد استخدمها كوسيلة لحرب العقول والأفكار ، فلما لا تكون هذه فرصة لنا للدخول في غمرة هذا الصراع ببضاعة ربانية لأعظم مصلح في الكون باعتراف خصومه .
8-     الكتاب يطرح وسائل متنوعة وأساليب متعددة للمعالجات الفكرية والاجتماعية لأهم المشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي وبطريقة حيوية بسيطة ، وهو من هذا الوجه يمثل أرضية للفكر التنموي في الداخل العربي .
9-   بالرغم من كثرة التعاليم النبوية الداعية إلى ثقافة السلام في المجتمعات إلا أن هذا الجانب لم ينل حظه من الدراسة التخصصية المبرزة له ، بل نجد عزوفاً واتهاماً لأصل فكرة السلام وثقافته في المجتمعات العربية  ، وذلك انسياقاً لردات الفعل ، والكتاب يسد هذه الثغرة مبرزاً أن رسالة الإسلام هي رسالة سلام في الصورة والمضمون .
10-  الكتاب يساهم في حسر فكرة التصادم الحضاري التي يُنَظِّر لها عدد من كبار المفكرين الغربيين مثل برنارد لويس في كتابه ( الأصولية الإسلامية ) وهنجتون في نظريته عن الصدام بين الحضارات , وفوكوياما في نظريته عن نهاية التاريخ ، فهذه  النظريات تبشر بحتمية الصراع بين الغرب والشرق ([8]) ، والبحث الذي بين أيدينا يمثل نظرية شمولية متكاملة مؤسسة للنهج السلمي المبني على التفاعل والحضاري والتعايش السلمي.  
هذه بعض الجوانب التي تبرز أهمية هذا البحث ، وقد يرى البعض أن الكتاب لا يحتمل كل هذه الأهداف ، لكن نظرة علمية متأنية فاحصة للكتاب ، وما تضمنه من شمولية بأسلوب بسيط بساطة العهد النبوي ومعاصر بمستوى معاصرة هذا المصطلح للجديد للوعاء الثقافي الإنساني ، فإن هذه النظرة  ستخلص إلى أن الكتاب قد استوعب كل هذه الأهداف وزيادة .  
رابعاً : خطة البحث   .
تضمن البحث ثلاثة أبواب : الأول تأصيلي ، والثاني والثالث تفصيليان .
الباب الأول ( التأصيلي ) : وقد تضمن فصلين : الأول حول مفهوم ثقافة السلام ومساحتها في رسالة الإسلام ، والثاني حول قيم ثقافة السلام .
الباب الثاني  ( التفصيلي ) : وتضمن فصلين في ثقافة السلم الأهلي ، الفصل الأول حول جهود النبي r في رعاية السلم الأهلي في العهدين المكي والمدني ، والثاني حول البناء القيمي والاجتماعي والجزائي وأثره في السلم الأهلي .
الباب الثالث  ( التفصيلي ) وتضمن ثلاثة فصول عن حروب النبي r وثقافة السلام : الفصل الأول : نبي السلام ومسوغات المواجهة العسكرية ، والثاني :  القيم المهيمنة على الشروع في الحرب وعلاقتها بثقافة السلام ، والثـالث : أخلاقيات الانتصار ومثالية جيش محمد r  .
خامساً : منهج الباحث .
1-  آثرت في بحثي أن أسلك منهج التسلسل المنطقي بين فصول البحث من جهة ، وبين مباحث كل فصل من جهة أخرى .
2- تجنبت الخوض في المسائل الفقهية والخلافية في ثنايا المباحث ، ولم أغفل التصريح بالأحكام الفقهية في الحواشي أو خلاصة كل مبحث خاصة في الباب الثالث . 
3-   حافظت في بحثي على وحدة الأسلوب وسهولة العرض وعمق الفكرة واستيعابها لكل عناصر  ثقافة السلام  مبرزاً التربية الإيمانية الحاضنة لها لأحقق انتماءاً فكـرياً بين ثقافة السلام  والأرضية الفكرية الداعية للالتزام بها .
4-   أقوم بالتمهيد لكل مبحث ؛ ذلك ليتهيأ القارئ له ، خاصة أن كثيراً من المباحث تضمنت معاييرَ لم يسبق طرحها في باب  ثقافة السلام    .
5-   أحياناً أقوم بتكرار بعض أحداث السيرة خلال ثنايا البحث إذا دعت الحاجة لذلك ، ولا أرى ذلك تكراراً  إذا كان وجه الاستدلال يختلف من موضع لآخر ، إذ العبرة في ذلك بوجه الاستدلال . 
6-   رجعت في أكثر مواضيع الكتاب لأكبر عدد من المصادر والمراجع ، وذلك للتأكد من المعلومة ، ولترويض العقل على فهم ما هو موجود في ثنايا هذه الكتب وحتى يكون في مقدور القارئ  التأكد من أي معلومة بسهولة ، فإذا لم يتوافر لديه جميع هذه المصادر ، فإنه على الأقل سيكون مطلعاً على أصل المعلومة في المصدر المتوفر لديه ، كذلك توسعت في مصادري لتشمل الفكر وفلسفة التربية والدراسات الاجتماعية ، وذلك للتنويع في التعامل مع الفكرة الواحدة .
7-     قمت بعزو الآيات وتخريج الأحاديث في البحث ، فإذا كان الحديث في الصحيحين ، أو في أحدهما أكتفي بتخريجه منهما ، وإذا كان في غيرهما ،كنت أشير إلى مصادره مع بيان درجة الحديث إن وجدتها .
8-    قمت بالرجوع إلى المصادر الأصلية ما أمكن مع الاستئناس بكتب المعاصرين وتقسيماتهم ،  ونظراً لجدة الموضوع في أكثر عنوانيه الفرعية رأيت أن استخلص تلك العناوين من تجربتي الخاصة مع سيرة رسول الله r وحسب فهمي لأحداثها .

هذه أبرز معالم خطتي ومنهجي في البحث ،  وأسأل الله I تعالى القبول: « اللهم اجعل هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم ، ونصرة لرسولك ، وذخراً لي بين يديك  »

} أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {


([1]) أخرجه مسلم برقم 592 ( 1/414)
([2]) أخرجه البخاري برقم 6484 ( 8/102 )
([3]) المائدة : 15-16
([4]) من ذلك التصريح الذي  أصدرته مجموعة الشخصيات الحائزة على جائزة نوبل للسلام أثناء اجتماعها في مؤتمر فينا لحقوق الإنسان سنة 1993م ، وتضمن التصريح كثيراً من الجوانب المعززة للتعايش السلمي بين المجتمعات ، والعوامل المؤثرة على السلم الأهلي  .
([5]) انظر هذه الإحصائيات عند : عبد العزيز كامل : أي حقوق ، مجلة البيان ، العدد 165( 38) ؛ (حالات فوضى ـ الآثار الاجتماعية للعولمة) من إصدارات معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية ( 114) ؛   باترسون : يوم أن اعترفت أمريكيا بالحقيقة (88-99 )؛ بروانج : الجريمة على الطريقة الأمريكية ( 200 وما بعدها ) 
([6]) انظر بروانج : الجريمة على الطريقة الأمريكية ( 512) 
([7]) انظر إيدجار فور وزملاؤه : تعلم لتكون ( 25)؛ الكيلاني : فلسفة التربية الإسلامية ( 47وما بعدها )
([8]) عبد السلام : نحو بلورة معاصرة للعلاقة بين الإسلام والآخر ، بحث مقدم لندوة الإسلام وحوار الحضارات ( 38)