لا
يختلف عاقل في أن التدخل الجراحي بالرغم من آلامه وآثاره والدماء التي تسيل عند
إجرائه يعتبر مظهراً من مظاهر الرحمة عندما لا توجد وسيلة غيره لإنهاء الألم
وملاحقة الورم ، ولو امتنع الطبيب من استخدامه رعاية للآلام التي يمكن أن يعانيها
المريض عند إجراء العملية ، وترك المريض يستفحل فيه الورم أو يستشري فيه المرض ،
عندها لا يستحق الطبيب وصف الرحمة ، بالرغم من أنه لم يؤلم المريض بالتدخل الجراحي
.
هذه الموازنة العامة التي تبرز ضرورات التدخل
الجراحي ، وتتفق البشرية كاملة على أن عدم اعتبارها منافي للرحمة ، بل تلك
الممرضات اللواتي يستخدمن المباضع والمشارط ويجرحن المرضى لاستئصال ورم ونحوه
استحققن وصف ملائكة الرحمة في نظر البشرية بالرغم من تلك الدماء التي تسيل تحت
مشارطهن ، وبالرغم من صرخات المرضى بين أيديهن ، بل لا ينظر لتلك الصرخات والدماء
مقابل حسن العاقبة وحصول العافية ، وكل عاقل ينظر للطبيب أو الممرضة بعين الامتنان
على الواجب الذي يقومان به .
هذا بخصوص علاج الأبدان ، و ما ذكرت مسلمة تتفق
على صحتها البشرية بعمومها ، إضافة إلى اتفاقها على أن التدخل الجراحي يتعين عندما
لا توجد أي وسيلة أخرى للشفاء ، وتركه يعتبر منافياً للرحمة .
أما بخصوص أمراض البشر الروحية ( العناد والكفر
والكبر ومراغمة الحق والصد عن سبيل الله وما يترتب على ذلك من مظالم وفوضى ..إلخ ) فيتصور الإشكالية نفسها بل أشد منها ،
ويتعين التدخل الجراحي إذا استنفدت كل الوسائل الأخرى ، والأصل أن ينظر للتدخل
الجراحي أو المواجهة العسكرية حال استفحال أمراض الأمم وتعذر الوسائل الأخرى على
أنه مظهر من مظاهر الرحمة لا منافياً لها ، والأصل أن ينظر للطبيب بعين الامتنان
لذلك التدخل الجراحي خاصة بعد حسن العاقبة وحصول العافية في الأمم ، ولولا الجهاد
والمواجهة العسكرية التي قام بها النبي r لما نعم
خالد بن الوليد وأبو سفيان وعكرمة بن جهل بنعمة الإسلام ، بل لما خرج الإسلام من
المدينة المنورة إلى ربوع العالم أجمع ، ولما استنارت البشرية بنور الهداية ولبقيت
بعللها وأمراضها التي كان سينتج عنها أضرار على مستوى الدنيا أعظم بكثير مما نتج
حصيلة حروب المسلمين مع غيرهم .
وبالمقابل لو لم تكن
تلك الغزوات لا نحسر الإسلام في المدينة وبقيت الجزيرة على غيها وكفرها وحرمت
البشرية نور الرسالة ومظاهر رحمتها ، ولأفضت عوامل الكيد الداخلي والخارجي بنواة
الدولة الإسلامية على حسمها وإنهائها في سنواتها الأولى ، ويبقى التساؤل الهام هنا
وهو أي رحمة عالمية في ترك وسيلة ساعدت في حرية نشر رسالة الإسلام عند تعذر
الوسائل الأخرى ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق