السبت، 9 يونيو 2012

نبي الرحمة يبكي ويصلي متضرعاً ومبتهلاً بين يدي ربه لتنجو أمته .


:
 لم يقتصر فكر الرحمة عند رسول الله r على جهوده العامة بل كان يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى باكياً  متضرعاً إليه أن يخفف على أمته يرشد إلى ذلك ما رواه عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما : « أَنَّ النَّبِيَّ  r  تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :  اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :  يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ  ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ  r  بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ . » ([1])
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ما أرحمك بأمتك ، وما أحرصك على نجاتها ، تبكي كالثكلى بين يدي الله لا لأجل نفسك ، بل لكي ينجو كل فرد من أمتك من عذاب الله سبحانه وتعالى ، فتميزت بذلك عن سلفك من الأنبياء وكنت عنوان الرحمة ومجمعها واستحققت أن تنسب لها ، فأنت حقاً .. نبي الرحمة .
ومن الآثار الدالة أيضاً على حرص النبي r على نجاة أمته ما رواه خَبَّاب بْنِ الْأَرَتِّ t قَالَ : « صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ  r  صَلَاةً فَأَطَالَهَا  . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا قَالَ :  أَجَلْ إِنَّهَا صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ ! إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا ، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً ، سَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ ،  فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا » ([2])
فالأثر السابق يبرز لنا الهم الذي كان يعتلج في قلب النبي r ؛ إنه هم الأمة والخوف عليها في مستقبلها .
ولم يقتصر الأمر على الدعاء لها  ، بل تضمن هديه منهجاً مطولاً متكاملاً بصر فيه الأمة على كل الأحداث والفتن والملاحم التي تمر بها عبر تقلبات الزمان حتى قيام الساعة ، ومن وفور رحمته أنه كان يجلس معهم مجالس  مطولة بعضها من صلاة الفجر حتى صلاة العشاء ، كل ذلك يخبر عن مستقبل الأمة وأشكال انحرافها ، والفتن التي تعرض لها ، ووسائل النجاة في كل مرحلة أو فتنة تمر بها حتى بصر الصحابة ومن بعدهم سائر الأمة بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة ،  وهذا من أسمى مظاهر الرحمة النبوية بالأمة ؛ حيث ترى هدي نبيها حاضراً معها في كل تقلبات الزمان التي تمر بها ، ولم ينس النبي r أمته من المبشرات المتعددة عبر التاريخ ، والتي بدورها تزرع بذور الأمل في أفرادها ، بل لم ينس الإشارة إلى ما تتضمنه المحن والبلاءات التي ستمر بالأمة من معاني الرحمة مبرزاً لكل فرد من الأمة أن البلاء أو الفتنة أو المحنة إذا نزلت به فليس هذا مدعاة للقنوط أو إساءة الظن ، ولا تتضمن إشارة بسوء العاقبة ؛ لأن هذه المحن له مكفرات بين يدي الساعة ، وذلك حال محافظته على العهد الذي كان عليه الرعيل الأول يقول النبي r : «  أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ  . » ([3])
ولقد فصلت القول في  هذا الجانب من هدي النبي r في مؤلف ضخم ، (_ )  وتعجبت من ذلك التوصيف الحيوي المطابق للواقع لكل مرحلة من مراحل الأمة ، وكأن الأمة لم تفقد نبيها عبر الحقبات التاريخية في كل ما يطرأ عليها ، وهذا من وفور رحمته وشفقته بأمته ومستقبلها .


([1]) أخرجه مسلم برقم 202 [ صحيح مسلم ( 1/191) ]
([2]) أخرجه مسلم برقم 2890 [ صحيح مسلم (4/2216) ]
([3]) أخرجه أبو داود برقم 4278 ( 4/105) ؛ والحاكم برقم 8372 وقال : صحيح الإسناد [ المستدرك ( 4/491) ]
(_ ) انظر الموسوعة في الفتن والملاحم وشروط الساعة ، وهو دراسة تفصيلية مطولة لهدي النبي r فيما يخص  الأحداث المستقبلية للأمة .     

ليست هناك تعليقات: